الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فهذه نبذة في زكاة الفطر، أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بها، وأن يتقبل منهم زكاتهم، وسائر أعمالهم.
وسميت صدقة الفطر بذلك لأنها عطية عند الفطر يراد بها المثوبة من الله، فإعطاؤها لمستحقها في وقتها عن طيب نفس، يظهر صدق الرغبة في تلك المثوبة، وسميت زكاة لما في بذلها - خالصة لله - من تزكية النفس، وتطهيرها من أدرانها وتنميتها للعمل وجبرها لنقصه.
وإضافتها إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه، فإن سبب وجوبها الفطر من رمضان - بعد إكمال عدة الشهر برؤية هلاله - فأضيفت له لوجوبها به.
وكانت فرضيتها في السنة الثانية من الهجرة - أي مع رمضان - وقد دلّ على مشروعيتها عموم القرآن، وصريح السنة الصحيحة، وإجماع المسلمين، قال تعالى: قد أفلح من تزكى أي: فاز كل الفوز، وظفر كل الظفر من زكى نفسه بالصدقة، فنماها وطهرها.
وقد كان عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - يأمر بزكاة الفطر ويتلو هذه الآية.
وقال عكرمة - رحمه الله - في الآية: ( هو الرجل يقدم زكاته بين يدي ) يعني قبل صلاته: "أي: العيد".
وهكذا قال غير واحد من السلف - رحمهم الله تعالى - في الآية هي زكاة الفطر.
وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي عند ابن خزيمة وغيره. وقال مالك - رحمه الله - هي يعني زكاة الفطر - داخلة في عموم قوله تعالى: وآتوا الزكاة . وثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه: { فرض رسول الله زكاة الفطر }. وأجمع عليها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها.
حكى ابن المنذر - رحمه الله - وغيره بالإجماع على وجوبها. وقال إسحاق - رحمه الله -: ( هو كالإجماع ).
قلت: تكفي في الدلالة على وجوبها - مع القدرة في وقتها - تعبير الصحابة رضي الله عنهم بالفرض، كما صرح بذلك ابن عمر وابن عباس.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( فرض رسول الله زكاة الفطر.. ) الحديث، وبنحوه عبر غيره رضي الله عنهم.
شرعت زكاة الفطر تطهيراً للنفس من أدرانها، من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيراً للصيام ما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.
فعن ابن عباس مرفوعاً: { فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو واللعب، وطُعمة للمساكين } [رواه أبو داود والحاكم وغيرهما].
وفيها: إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.
وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.
زكاة الفطر زكاة بدن تجب على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أو عبداً، وسواء كان من أهل المدن أو القرى، أو البوادي، بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين ولذا كان بعض السلف يخرجها عن الحمل.
قلت: وليست واجبة عن الحمل لكن لعل هذا من شكر نعمة الله بخلقه والرغبة إلى من وهبه أن يصلحه.
ومن أدلة وجوبها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة } [متفق عليه]. ونحو هذا الحديث، مما فيه التصريح بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني - وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال - بل المقصود به زكاة الفطر من فضل عنده صاع أو أكثر يوم العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومن تجب عليه نفقته.
وغير المكلفين كالأيتام، والمجانين، ونحوهم. يخرجها راعيهم من مالهم من له عليه ولاية شرعية. فإن لم يكن لهم مال فإنه يخرجها عنهم من ماله من تجب عليه نفقتهم، لعموم ما روي عن النبي أنه قال: { أدوا الفطر عمن تمونون }.
ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: ( كنا نعطيها - يعني صدقة الفطر - في زمان النبي صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من الزبيب.. ) [متفق عليه].
وفي رواية عنه في الصحيح، قال: ( وكان طعامنا الشعير والزبيب والإقط والتمر ).
فالأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة في الحديث ما دامت موجوده، ويوجد من يقبلها ليقتات بها فيخرج أطيبها وأنفعها للفقراء، لما في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطي التمر، وفي الموطأ عن نافع: ( كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحد فإنه أخرج شعيراً - أعوز أهل المدينة من التمر - يعني: لم يوجد في المدينة - فأعطى شعيراً ).
وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي أن يخرج لهم أطيب هذه الأصناف وأنفعها لهم، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أن البر أفضل ثم التمر. قال تعالى: لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون . فإخراجها من أحد هذه الأصناف إذا أوجد من يقبله ليقتات به أفضل لأن فيه موافقة للسنة، وإحتياطاً للدين. فإن لم توجد فبقية أقوات البلد سواها.
وذهب بعض أهل العلم - وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم - إلى أنه يجزئ كل حب وثمر يقتات ولو لو تعدم الخمسة المذكورة في الحديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واحتج له بقوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم . وبقوله : { صاعاً من طعام }. والطعام قد يكون براً أو شعيراً وقال: هو قول أكثر العلماء، وأصح الأقوال. فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء.
قال ابن القيّم - رحمه الله -: ( وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم، لقوله : { اغنوهم في هذا اليوم عن الطواف }.
قلت: وهذا اجتهاد من هؤلاء الأئمة الأعلام - رحمهم الله تعالى - وإلا فلا شك أنه إذا وجد أحد الأصناف التي نص عليها صلى الله عليه سلم ووجد من يقبله رغبة فيه لأنه من قوته المعتاد أما إذا كان غير هذه الأصناف أحب الى الناس وأيسر لهم فهو أولى لما يتحقق به من المواساة والإغناء فإن أخراج الفطرة منه هو المتعين، فقد قال : { البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك } [رواه الإمام أحمد والدارمي بإسناد حسن]. وقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أما أنا فلا أزال أخرجه كما أكنت أخرجه في عهد النبي ، يعني: صاعاً من طعام لا نصف صاع.
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي : { فرض زكاة الفطر صاعاً } والمراد به: صاع النبي وهو أربعة أمداد. والمد: ملء كفيّ الرجل المتوسط اليدين من البرّ الجيد ونحوه من الحب وهو كيلوان ونصف على وجه التقريب، وما زاد على القدر ينويه من الصدقة العامة، وقد قال الله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره .
لإخراج زكاة الفطر وقتان:
الأول: وقت فضيلة ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد وأفضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر.. } الحديث. وفيه قال: { وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة }. وتقدم تفسير بعض السلف لقوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى أنه الرجل يقدم زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته.
والثاني: وقت إجزاء: وهو قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما في صحيح البخاري - رحمه الله - قال: ( وكانوا - يعني الصحابة - يعطون - أي المساكين - قبل الفطر بيوم أو يومين ). فكان إجماعاً منهم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: { فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات } [رواه أبو داود وغيره].
قال ابن القيم - رحمه الله -: ( مقتضاه أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد ). قلت: يعني من غير عذر وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة.
وقال شيخ الإسلام: ( إن أخرها بعد صلاة العيد فهي قضاء، ولا تسقط بخروج الوقت ).
وقال غيره: ( اتفق الفقهاء على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخيرها، وهي دين عليه حتى يؤديها، وأن تأخيرها عن يوم العيد حرام ويقضيها آثماً إجماعاً إذا أخرها عمداً ).
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر طهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين }. ففي هذا الحديث أنها تصرف للمساكين دون غيرهم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ولا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم ).
ويجوز أن يعطي الجماعة أو أهل البيت زكاتهم لمسكين واحد وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة.
ولكن ينبغي أن تسلم لنفس المسكين أو لوكيله المفوض في استلامها من قبله.
لا يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر "بدلاً عنها" لنص النبي على أنواع الأطعمة مع وجود قيمتها. فلو كانت القيمة مجزئة لبين ذلك النبي فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وكذلك فإنه لا يعلم أن أحداً من أصحاب النبي أخرج زكاة الفطر نقوداً - مع إمكان ذلك في زمانهم - وهم أعرف بسنته وأحرص على اتباع طريقته. وأيضاً فإن إخراج القيمة يفضي إلى خفاء هذه الشعيرة العظيمة، وجهل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها.
قال الإمام أحمد: لا يعطي القيمة. قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله ويقولون: قال فلان. وقد قال ابن عمر: { فرض رسول الله زكاة الفطر }.
قلت: فإخراج القيمة بدلاً من الطعام لا يجوز لأنه مخالف لقول النبي وفعله وعمل أصحابه من بعده - وإن قال به بعض أهل العلم - فالعبرة بما ثبت عن النبي لا بما يخالف هديه من آراء الرجال. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر!! ).
الأصل أن الشخص يدفع زكاة فطره لفقراء البلد الذي وجبت عليه الزكاة وهو فيه - وهي إنما تجب بغروب الشمس ليلة العيد - ونقلها إلى بلد آخر يفضي إلى تأخير تسليمها في وقتها المشروع. وربما أفضى إلى إخراج القيمة وإلى إخفاء تلك الشعيرة، وجهل الناس بسنة النبي فيها. ولم يثبت عن النبي ولا عن أحد من خلفائه الراشدين ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم فيما أعلم أنهم نقلوها من المدينة إلى غيرها. وبناء عليه فنقلها في هذا الزمان من مجتمع إلى آخر والذي يدعو إليه بعض الناس ويغرب فيه معدود من الأعمال المحدثة التي يجب الحذر منها وتنبيه الناس على ما فيه من المخالفة والله المستعان.
أما كون الإنسان يوكل أهله أن يخرجوا الزكاة في بلدهم وهو في بلد آخر فليس من هذا الباب، فإن الكلام في نقل زكوات بعض أهل البلد إلى بلد آخر، فإنه هو الذي قد يترتب عليه المحاذير السابقة، ولهذا نبهت عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبدالله بن صالح القصير
فهذه نبذة في زكاة الفطر، أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بها، وأن يتقبل منهم زكاتهم، وسائر أعمالهم.
معنى زكاة الفطر
أي: الزكاة التي سببها الفطر من رمضان. وتسمى أيضاً: صدقة الفطر، وبكلا الإسمين وردت النصوص.وسميت صدقة الفطر بذلك لأنها عطية عند الفطر يراد بها المثوبة من الله، فإعطاؤها لمستحقها في وقتها عن طيب نفس، يظهر صدق الرغبة في تلك المثوبة، وسميت زكاة لما في بذلها - خالصة لله - من تزكية النفس، وتطهيرها من أدرانها وتنميتها للعمل وجبرها لنقصه.
وإضافتها إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه، فإن سبب وجوبها الفطر من رمضان - بعد إكمال عدة الشهر برؤية هلاله - فأضيفت له لوجوبها به.
وكانت فرضيتها في السنة الثانية من الهجرة - أي مع رمضان - وقد دلّ على مشروعيتها عموم القرآن، وصريح السنة الصحيحة، وإجماع المسلمين، قال تعالى: قد أفلح من تزكى أي: فاز كل الفوز، وظفر كل الظفر من زكى نفسه بالصدقة، فنماها وطهرها.
وقد كان عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - يأمر بزكاة الفطر ويتلو هذه الآية.
وقال عكرمة - رحمه الله - في الآية: ( هو الرجل يقدم زكاته بين يدي ) يعني قبل صلاته: "أي: العيد".
وهكذا قال غير واحد من السلف - رحمهم الله تعالى - في الآية هي زكاة الفطر.
وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي عند ابن خزيمة وغيره. وقال مالك - رحمه الله - هي يعني زكاة الفطر - داخلة في عموم قوله تعالى: وآتوا الزكاة . وثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه: { فرض رسول الله زكاة الفطر }. وأجمع عليها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها.
حكمها
حكى ابن المنذر - رحمه الله - وغيره بالإجماع على وجوبها. وقال إسحاق - رحمه الله -: ( هو كالإجماع ).
قلت: تكفي في الدلالة على وجوبها - مع القدرة في وقتها - تعبير الصحابة رضي الله عنهم بالفرض، كما صرح بذلك ابن عمر وابن عباس.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( فرض رسول الله زكاة الفطر.. ) الحديث، وبنحوه عبر غيره رضي الله عنهم.
حكمة تشريعها
شرعت زكاة الفطر تطهيراً للنفس من أدرانها، من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيراً للصيام ما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.
فعن ابن عباس مرفوعاً: { فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو واللعب، وطُعمة للمساكين } [رواه أبو داود والحاكم وغيرهما].
وفيها: إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.
وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.
على من تجب الفطرة
زكاة الفطر زكاة بدن تجب على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أو عبداً، وسواء كان من أهل المدن أو القرى، أو البوادي، بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين ولذا كان بعض السلف يخرجها عن الحمل.
قلت: وليست واجبة عن الحمل لكن لعل هذا من شكر نعمة الله بخلقه والرغبة إلى من وهبه أن يصلحه.
ومن أدلة وجوبها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة } [متفق عليه]. ونحو هذا الحديث، مما فيه التصريح بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني - وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال - بل المقصود به زكاة الفطر من فضل عنده صاع أو أكثر يوم العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومن تجب عليه نفقته.
وغير المكلفين كالأيتام، والمجانين، ونحوهم. يخرجها راعيهم من مالهم من له عليه ولاية شرعية. فإن لم يكن لهم مال فإنه يخرجها عنهم من ماله من تجب عليه نفقتهم، لعموم ما روي عن النبي أنه قال: { أدوا الفطر عمن تمونون }.
أنواع الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر
ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: ( كنا نعطيها - يعني صدقة الفطر - في زمان النبي صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من الزبيب.. ) [متفق عليه].
وفي رواية عنه في الصحيح، قال: ( وكان طعامنا الشعير والزبيب والإقط والتمر ).
فالأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة في الحديث ما دامت موجوده، ويوجد من يقبلها ليقتات بها فيخرج أطيبها وأنفعها للفقراء، لما في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطي التمر، وفي الموطأ عن نافع: ( كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحد فإنه أخرج شعيراً - أعوز أهل المدينة من التمر - يعني: لم يوجد في المدينة - فأعطى شعيراً ).
وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي أن يخرج لهم أطيب هذه الأصناف وأنفعها لهم، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أن البر أفضل ثم التمر. قال تعالى: لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون . فإخراجها من أحد هذه الأصناف إذا أوجد من يقبله ليقتات به أفضل لأن فيه موافقة للسنة، وإحتياطاً للدين. فإن لم توجد فبقية أقوات البلد سواها.
وذهب بعض أهل العلم - وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم - إلى أنه يجزئ كل حب وثمر يقتات ولو لو تعدم الخمسة المذكورة في الحديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واحتج له بقوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم . وبقوله : { صاعاً من طعام }. والطعام قد يكون براً أو شعيراً وقال: هو قول أكثر العلماء، وأصح الأقوال. فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء.
قال ابن القيّم - رحمه الله -: ( وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم، لقوله : { اغنوهم في هذا اليوم عن الطواف }.
قلت: وهذا اجتهاد من هؤلاء الأئمة الأعلام - رحمهم الله تعالى - وإلا فلا شك أنه إذا وجد أحد الأصناف التي نص عليها صلى الله عليه سلم ووجد من يقبله رغبة فيه لأنه من قوته المعتاد أما إذا كان غير هذه الأصناف أحب الى الناس وأيسر لهم فهو أولى لما يتحقق به من المواساة والإغناء فإن أخراج الفطرة منه هو المتعين، فقد قال : { البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك } [رواه الإمام أحمد والدارمي بإسناد حسن]. وقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أما أنا فلا أزال أخرجه كما أكنت أخرجه في عهد النبي ، يعني: صاعاً من طعام لا نصف صاع.
المقدار الواجب في الفطرة
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي : { فرض زكاة الفطر صاعاً } والمراد به: صاع النبي وهو أربعة أمداد. والمد: ملء كفيّ الرجل المتوسط اليدين من البرّ الجيد ونحوه من الحب وهو كيلوان ونصف على وجه التقريب، وما زاد على القدر ينويه من الصدقة العامة، وقد قال الله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره .
وقت إخراج الزكاة
لإخراج زكاة الفطر وقتان:
الأول: وقت فضيلة ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد وأفضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر.. } الحديث. وفيه قال: { وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة }. وتقدم تفسير بعض السلف لقوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى أنه الرجل يقدم زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته.
والثاني: وقت إجزاء: وهو قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما في صحيح البخاري - رحمه الله - قال: ( وكانوا - يعني الصحابة - يعطون - أي المساكين - قبل الفطر بيوم أو يومين ). فكان إجماعاً منهم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: { فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات } [رواه أبو داود وغيره].
قال ابن القيم - رحمه الله -: ( مقتضاه أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد ). قلت: يعني من غير عذر وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة.
وقال شيخ الإسلام: ( إن أخرها بعد صلاة العيد فهي قضاء، ولا تسقط بخروج الوقت ).
وقال غيره: ( اتفق الفقهاء على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخيرها، وهي دين عليه حتى يؤديها، وأن تأخيرها عن يوم العيد حرام ويقضيها آثماً إجماعاً إذا أخرها عمداً ).
لمن تعطى صدقة الفطر
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله زكاة الفطر طهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين }. ففي هذا الحديث أنها تصرف للمساكين دون غيرهم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ولا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم ).
ويجوز أن يعطي الجماعة أو أهل البيت زكاتهم لمسكين واحد وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة.
ولكن ينبغي أن تسلم لنفس المسكين أو لوكيله المفوض في استلامها من قبله.
إخراج قيمة زكاة الفطر
لا يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر "بدلاً عنها" لنص النبي على أنواع الأطعمة مع وجود قيمتها. فلو كانت القيمة مجزئة لبين ذلك النبي فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وكذلك فإنه لا يعلم أن أحداً من أصحاب النبي أخرج زكاة الفطر نقوداً - مع إمكان ذلك في زمانهم - وهم أعرف بسنته وأحرص على اتباع طريقته. وأيضاً فإن إخراج القيمة يفضي إلى خفاء هذه الشعيرة العظيمة، وجهل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها.
قال الإمام أحمد: لا يعطي القيمة. قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله ويقولون: قال فلان. وقد قال ابن عمر: { فرض رسول الله زكاة الفطر }.
قلت: فإخراج القيمة بدلاً من الطعام لا يجوز لأنه مخالف لقول النبي وفعله وعمل أصحابه من بعده - وإن قال به بعض أهل العلم - فالعبرة بما ثبت عن النبي لا بما يخالف هديه من آراء الرجال. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر!! ).
نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر
الأصل أن الشخص يدفع زكاة فطره لفقراء البلد الذي وجبت عليه الزكاة وهو فيه - وهي إنما تجب بغروب الشمس ليلة العيد - ونقلها إلى بلد آخر يفضي إلى تأخير تسليمها في وقتها المشروع. وربما أفضى إلى إخراج القيمة وإلى إخفاء تلك الشعيرة، وجهل الناس بسنة النبي فيها. ولم يثبت عن النبي ولا عن أحد من خلفائه الراشدين ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم فيما أعلم أنهم نقلوها من المدينة إلى غيرها. وبناء عليه فنقلها في هذا الزمان من مجتمع إلى آخر والذي يدعو إليه بعض الناس ويغرب فيه معدود من الأعمال المحدثة التي يجب الحذر منها وتنبيه الناس على ما فيه من المخالفة والله المستعان.
أما كون الإنسان يوكل أهله أن يخرجوا الزكاة في بلدهم وهو في بلد آخر فليس من هذا الباب، فإن الكلام في نقل زكوات بعض أهل البلد إلى بلد آخر، فإنه هو الذي قد يترتب عليه المحاذير السابقة، ولهذا نبهت عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبدالله بن صالح القصير
0 commentaires:
إرسال تعليق