الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
جندية مجهولة
فعلى البسيطة من هذا الكون ثَمَّ مخلوقة ضعيفة، تغلب عليها العاطفة
الحانية، والرقة الهاتنة، لها من الجهود والفضائل ما قد يتجاهله ذوو الترف،
ممن لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا
يفقهون بها، هي جندية حيث لا جند، وهي حارسة حيث لا حرس، لها من قوة الجذب
ومَلَكة الاستعطاف ما تأخذ به لبَّ الصبي والشرخِ كلَّه، وتملك نياط
العاطفة دقّها وجلِّها، وتحل منه محل العضو من الجسد، بطنها له وعاء،
وثديها له سِقاء، وحجرها له حِواء، إنه ليملك فيها حق الرحمة والحنان،
لكمالها ونضجها، وهي أضعف خلق الله إنساناً، إنها مخلوقة تسمى الأم، وما
أدراكم ما الأم؟!
أم الإنسان – عباد الله – هي أصله وعماده الذي يتكئ عليه، ويرد إليه وَاللهُ جَعَلَ لَكُم من أنفسكم أَزوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم من أَزواجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً
[النحل:72]. وكون الشيء أصلاً وعماداً دليل بارز بجلائه على المكانة وعلو
الشأن وقوة المرجعية، ألا ترون أن أم البشر حواء، وأم القوم رئيسُهم، وأم
الكتاب الفاتحة، وأم القرى مكة، وفي ثنايا العلوم كتاب الأم للشافعي رحمه
الله؟!
لماذا الحديث عن الأم؟
من خلال هذه المقدمة الوجيزة عن الأم، ربما يدور بخلد سائل ما سؤال
مفاده: أيوجد ثمَّ مشكلة تستدعي الحديث عن مخلوقة ليست هي بدعاً من البشر؟
أم أن الحديث عنها نوع تسلية وقتل للأوقات؟ أم أن الأمر ليس هذا ولا ذاك؟.