إن طلب العلم من أعظم العبادات التي تُرفع بها الدرجات.. وتُكفّر بها السيئات.. قال تعالى: (يَرفعُ اللهُ الذينَ آمنُوا منكُم والذينَ أُوتُوا العلمَ دَرجاتٍ...) سورة المجادلة الآية 11.. وما قذف الله في قلب مسلم حب هذا العلم إلا وهو يريد به خيرا.. لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين).. فهنيئا لمن سلك هذا الطريق الموصل إلى جنات النعيم....
وهنا سأتطرق إلى بعض الآداب التي يتوجب على كل طالب علم التزامها والامتثال بها.. وهي كالتالي:
1ـ الإخلاص لله وتصديق القول بالعمل.. احرص أولا على تجريد نية طلب العلم لله وحده.. ثم داوم على تطبيق هذا العلم الذي اكتسبته؛ كيلا تكون ممن قال الله عز وجل فيهم: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعلونَ)
سورة الصف الآية 2.. أجل ماذا يجدي أن يمتلئ طالب العلم علما، ويملي علينا
ما نهله من علوم ومعارف ثم لا يُرى أثر ذلك على نفسه البتة؟!!!.. ولكم
استوقفتني وصية نفيسة من العلامة محمد العثيمين رحمه الله لطلبة العلم حيث
يقول فيها: (أنا لا أريد من طلبة العلم أن يكونوا نُسخا من كتب.. وإنما أريد منهم أن يكونوا علماء عاملين!!).. وإخالك لا يخفى عليك تلك المقولة المشهورة التي طالما رددناها فمتى نطبقها؟!.. (العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!).. ولأن تطبيق العلم والعمل به يزيده رسوخا وثباتا فيندر أن يتفلت منك ـ أيها المبارك ـ..
2ـ الجمع بين الحفظ والفهم.. وطلبة
العلم في هذا على طرفي نقيض.. فبعضهم يغلبون جانب الحفظ على الفهم
والتفقه.. فتجد الواحد منهم آية في الحفظ ولكن لا يعقل بعض ما يحفظ..
فينعكس هذا سلبا على حفظه فسرعان ما يتفلت!!.. بل ربما يولّد عنده مفاهيم
خاطئة لا تمت للإسلام بصلة!!.. وهذه منهجية تفتقر إلى علاج مبكر.. والطريق
القويم هو الجمع بين هذا وذاك.. والحرص على الاطلاع على الشروحات الميسرة
والمختصرة في كافة فنون العلم واستيعابها وسؤال أهل العلم عما يشكل..
3ـ امتثال القدوة الحسنة.. فاحرص
يا طالب العلم على الالتزام بالسمت الحسن.. وإياك أن يبدر منك ما يكون
سببا في القدح بطلاب العلم وتشويه سمعتهم أمام العامة!!.. فأنت واحد
منهم.. ثم لا تنس أن تستشعر بسمتك الحسن إخلاص النية لله أولا..
4ـ عدم ترك العنان لمداخل الشيطان!!.. كالإعجاب
بالنفس، والغرور، والتعالي على الآخرين، فهي آفات تحبط الأعمال وتغضب الله
عز وجل.. ولتعلم يا طالب العلم!.. أن العلم ليس بكثرة الرواية والدراية..
وإنما بخشية الله تعالى.. وإليك هذه الفائدة الجليلة التي ذكرها العلامة
محمد العثيمين رحمه الله عند قوله تعالى في سورة الروم: (وقالَ الذينَ أُوتُوا العِلمَ...) الآية 56، يقول رحمه الله: (في
هذه الآية دلالة على أن الإنسان لا ينبغي أن يعجب بعلمه؛ لأنه لم يدركه
بنفسه، بل إن الله عز وجل منّ به عليه لقوله "أوتوا العلم").
5ـ العناية بأعمال القلوب.. فمن
الخلل الذي يسلكه بعض طلبة العلم مع الانهماك في كتب المتون العلمية
والمسائل المتشعبة إهمال أعمال القلوب وعدم الاكتراث بها.. فالقلب يحتاج
إلى التعاهد.. وطالب العلم بأمس الحاجة إلى تقوية الصلة بالله عزوجل وتعليق
قلبه به.. ولا أنجع من ديمومة تدبر القرآن والنظر في سيرة نبينا المصطفى
صلى الله عليه وسلم.. وأحوال سلفنا الصالح رحمهم الله.. وكيف كانت صلتهم
بربهم؟!..
6ـ إياك وهذا الجرم العظيم!!.. من
الأسى أن يتفشى في أوساط طلبة العلم الخوض في أعراض العلماء وتتبع زلاتهم،
وتصنيفهم حسب الأهواء بلا مبالاة ولا خوف من الله!!.. وحسبي هنا أن أذكر
ما قاله ابن عساكر محذرا من هذا المسلك الخطير يقول رحمه الله: (لم يتكلم أحد في العلماء بالثلب، إلا ابتلاه الله قبل موته بموت القلب!!).. وغيبة العلماء أشد من غيبة غيرهم!!.. فالحذر الحذر!!..
7ـ حاجتنا إلى الأخلاق!.. لا
أحد ينكر أن القسوة والغلظة والجفاء وجرح مشاعر الآخرين.. أخلاق لا تليق
بأي مسلم، فكيف لو صدرت من طالب علم؟!.. حتما سينفض الناس من حوله.. بل لن
يقتصر النفور منه فحسب وإنما سيتعداه إلى ما يحمله من العلم والدعوة..
فيكون سببا في الصد عن سبيل الله من حيث شعر أم لم يشعر؟!.. ولطالما
تساءلت: إذا فُقدت الأخلاق الحميدة من أوساط طلاب العلم وهم أحق بها
وأهلها.. فيا ترى أي الأوساط تحتضن هذه الأخلاق؟!!!.
8ـ إدراك قيمة الأخوة في الله.. وتحصين
أسوارها لكيلا يتسلل إليها ما يهدمها كالتنافس غير المحمود والغيرة
والحسد.. وأربأ بك يا طالب العلم عن هذه المزالق الخطيرة التي تمزق أواصر
الأخوة في الله إلى أن تتلاشى كأن لم تكن!!!...
9ـ عدم احتقار الذات والتقوقع على النفس.. أين
الهمة من طالب علم ارتضى بالكسل رفيقا لدربه؟!.. وآخر أفكاره حبيسة عقله..
وثالث لا ينتج.. لا يشارك.. لا يدعو.. لا يبتكر.. لا يخطو خطوة واحدة..
فالفتور قد أسره!!.. أقول لك يا طالب العلم ـ زادك الله حرصا ـ: ـ
كم من فكرة وخاطرة احتقرها صاحبها واحتبسها زمنا.. فعندما أطلق سراحها كانت تربة خصبة لأعمال دعوية مثمرة!!.. فالهمة الهمة.. (ولا تحقرنّ من المعروف شيئا).
0 commentaires:
إرسال تعليق