سبق المفردون عبدالعزيز بن عبدالله بن باز دار القاسم |
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن من أفضل ما يتخلق به الإنسان وينطق به اللسان الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتسبيحه، وتحميده، وتلاوة كتابه العظيم، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه وتعالى وسؤاله جميع الحاجات الدينية والدنيوية، والإستعانة به، والإلتجاء إليه بإيمان صادق وإخلاص وخضوع، وحضور قلب يستحضر به الذاكر والداعي عظمة الله وقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء وإستحقاقه للعبادة
.
.
وقد ورد في فضل الذكر والدعاء والحث عليها آيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله نذكر ما تيسر منها قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:41-43].
وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152]. وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] إلى أن قال سبحانه: وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35]. وقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191،190]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال:45]. وقال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]. وقال تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37]. وقال تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205]. وقال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]. والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى ودعاؤه سبحانه مستحب في جميع الأوقات والمناسبات، في الصباح والمساء، وعند النوم واليقظة، ودخول المنزل والخروج منه، وعند دخول المسجد والخروج منه، لما سبق من الآيات الكريمات، ولقوله تعالى أيضاً: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [غافر:55]. وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]. وقوله تعالى: وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]. وقوله تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم:11] وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور:49،48]. وقوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18،17]. وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. وقال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56،55] وقال سبحانه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النحل:62].
وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله ونحن في الصفة فقال: { أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كومارين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ } فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. فقال: { أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل }.
وفي صحيح البخاري عن عثمان عن النبي أنه قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }.
وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: { اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه }. وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث النواس بن سمعان قال: سمعت النبي يقول: { يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران } وضرب لهما رسول الله ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: { كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما }. وعن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله يقول: { من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ( ألف) حرف، و (لام) حرف، و (ميم) حرف } [رواه الترمذي بسند حسن]. وثبت عن رسول الله أحاديث كثيرة تدل على فضل الذكر والتحميد والتهليل والتسبيح والدعاء والاستغفار كل وقت وفي طرفي الليل والنهار، وفي أدبار الصلوات الخمس بعد السلام نذكر بعضها.
فمن ذلك قوله صلى الله: { سبق المفردون؟ } قال: { الذاكرون الله كثيراً والذاكرات } [رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وقال : { أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر } [رواه مسلم]. وفي صحيح مسلم أيضاً عن سعد بن أبي وقاص قال: جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: علمني كلاماً أقوله، قال: { قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم } فقال: يا رسول الله إن هؤلاء لربي فما لي؟ قال: { قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني }.
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: { الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله } [أخرجه النسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وقال عليه الصلاة والسلام: { ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله } [أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه].
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: قال رسول الله : { ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، خير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم } قالوا: بلى يا رسول الله قال: { ذكر الله } [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح].
وقال : { لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتنهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده } [رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما].
وقال : { من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل } [متفق عليه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه].
وفي الصحيحن عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يات أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك }، ومن قال: { سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطّت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر }.
وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله أنه قال: { كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم }.
وخرّج الترمذي وغيره بإسناد حسن عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله أنه قال: { ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله فيه عز وجل، ولم يصلوا على النبي إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم }.
وقالت عائشة رضي الله عنها: { كان النبي يذكر الله على كل أحيانه } [أخرجه مسلم في صحيحه].
وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه } [أخرجه مسلم في صحيحه].
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي بكر الصديق أنه قال: ( يا رسول الله علّمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي )، قال: { قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم }.
وعن النعمان بن بشير عن النبي أنه قال: { الدعاء هو العبادة } [أخرجه أصحاب السنن الأربعة بإسناد صحيح]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يقول: { اللهم أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك } [رواه مسلم في صحيحه].
وعنه قال: كان رسول الله يقول: { اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وظلمة العدو، وشماتة الأعداء } [رواه النسائي وصححه الحاكم].
وعن بريدة قال: سمع النبي رجلاً يقول: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ). فقال رسول الله : { فقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب } [أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان].
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله يقول: { اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر } [أخرجه مسلم].
وعن أبي موسى قال: كان النبي يدعو: { اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جِدّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير } [متفق عليه]. وعن أنس قال: كان رسول الله يقول: { اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علماً ينفعني } [رواه النسائي والحاكم].
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: { والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } [رواه البخاري].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة: { رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التوب الغفور } [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وعن شداد بن أوس عن النبي أنه قال: { سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب، إلا أنت } [رواه البخاري في صحيحه].
والآيات والأحاديث في فضل الذكر والدعاء والاستغفار كثيرة ومعلومة.
اللهَ أسأل أن ينفعني بها وجميع المسلمين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
0 commentaires:
إرسال تعليق