الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى المختص بالملك الأعز الأحمى الذي ليس دونه
منتهى ولا وراءه
مرمى، الظاهر لا تخيلا و وهمى، الباطن تقدسا لا عدمى وسع
كل شيء رحمة و علما، و أسبغ على أوليائه نعما عمى، و بعث فيهم رسولا من
أَنْفُسِهِم أَنْفَسَهُم عربا و عجما، زكاه ربي محتدا و منمى، و حاشاه عيبا
ووصما، و صلى عليه صلاة تنموا و تنمى، و على آله وسلم تسليما.
أمة الإسلام القول قولان، قول حق و قول غير حق، و القول الحق منه تحقيقه و
معه تصديقه و ميزان ذلك العقل الذي هو مناط التكليف و لكن العقول في
جوهرها متفاضلة،
وسمة العقل الصالح أن يعرض ما يسمح لمخيلته من مسالك الإعتقاد على عاقلته،
ليأمن آفة التجاوزات، فمتى روعي هذا المعنى سهل المأخد في توفية حظوظ
المتقابلات,و
لزم منه الصواب في التأتي، و هذا كما تعلمون مجاز آمن و نقيضه تأرض آثم، و
القول الحق لا يكون مصدره إلا من الحق سبحانه و تعالى وهو منزل الكتاب، و
نتائج القول بعد الفحص و النظر أن الإيمان بضرورة القرآن وضرورة العلم
بالقرآن، عقد صادق، حيزه القوة العاقلة لا المتخيلة، و تطلب الكمال في هذا
لازم سلامة الفطرة و لا كمال العلم بالقرآن إلا في كمال العمل به ، ذلكم
لأن العمل تمام العلم وليس يشك أن نسبة العلم إلى العمل مضاهية لنسبة العلة
إلى المعلول، أو لنسبة البدء إلى التمام، فالشيء متى فسدة علته واختل بدأه
فليس الصلاح بلاحقه و لا متبنيه إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه و
ماهو ببالغه.
أمة الإسلام ثم إنه لا يكمل هذا العلم بالقرآن كما أسلفنا إلا في كمال
العمل به، إذ لو وجدت، و لو وجدت طبائع البشر مقصورة على تحصيل العلم دون
تحقيق العمل، لكانت القوة العملية إما فضلا زائدا و إما تبعا عارضا و لو
أنها كانت كذلك لما كان عدمها ليخل عمارة البلاد و سياسة العباد.
عباد الله ثم إنه لا يكمل العمل بالقرآن إلا في كمال و استكمال المراد لنا
من السبعة الأحرف، و استظهار ما في اختلافها من التنوع و التضايف ، ليكمل
النظر إلى القرآن من أوجهه المرادة و أحرفه المنقادة، ذلكم لأن الناظر إلى
القرآن من وجه واحد نازل عن رتبة التمام و واقع دون معارج التمهير و
الكمال، و التمهير مقام أيده و عينه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
سلم لمن استوفى شرطه، فقال " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"
(رواه مسلم) .
جعلني الله وإياكم من الماهرين بالقرآن، قراءة أداءا فهما و عملا، و نحن
جدراء بأن نسأل واهب العقل سبحانه و تعالى أن يرشدنا إلى الفضل لنلحظ الحق
على حق، قلت ما سمعتم وأستقيل الله العثرة وأستغفره و أتوب إليه، فاستغفروه
ثم توبوا إليه إن ربي رحيم غفوررحيم ودود.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعود بالله من شرور أنفسنا و من
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمد عبده و رسوله صلى
الله عليه و آله و سلم، أرسله الله بين يدي الساعة بشيرا و نذيرا.
عباد الله خدمة القرآن العظيم من مختلف أنماط آدائه قراءة و دلالة، مجامع
ما سعدت به أطوار الأمة، والتخلي عن هذا الباب هجر للقرآن، و الهجر عباد
الله استدلال برهاني على انعدام الحظ من الحكمة.
فإن يمسي مهجور الفناء فربما أم به بعد الوفود وفود.
فمن أقبل على كلام الله أقبل الله عليه و من تولى عنه تولى الله عنه و نعود بالله من هذه المرتبة.
عباد الله إن سلطان البلاد أمير المؤمنين سادس المحمدين حفظه الله و أيده
خدم القرآن خدمة من وجهته الحقة، خدمه قراءة و رسما، تحقيقا لا تعليقا،
دلالة ووسمى، فنسأل الله تعالى و نحن نشهده سبحانه و تعالى أنه لم يآني في
الإصلاح و يتأنى في امتياح، فنسأل الله تعالى أن يرزقه طاعته وأن يرزقنا
طاعته، فطاعته واجبة، وإجابته لازمة، وإسعافه فريضة، ومصافحته تدينا إقبالا
و إجمالا، و مخافته زندقة و تخلف و انحلال، هيع الله طريقه، وقوى على
النصح و الصلاح بطانته وفريقه، ثم إنه لا يفوتني أن أذكر بأن والدة أمير
المؤمنين حفظهما الله تعالى، قد أخدت على نفسها تعمير بيوت الله بالإصلاح و
التشييد، و التنظيف و التمديد و التسديد، فنسأل الله أن يتقبل منها عملها و
أن يجعله خالصا لوجهه الكريم و أن يصبغ عليها نعمه ظاهرة و باطنة و كل من
أعانها على ذلك بقول أو فعل أو تقري، و كل من عمر بيوت الله بتنظيف أو ذكر
أو صلاة أو حراسة، أيدكم الله جميعا و نفعني و إياكم بالذكر الحكيم.
عباد الله إن الله تعالى أمر بأمر بدأ فيه بنفسه و ثنى بملائكة قدسه فقال
ولم يزل قائلا عليما "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا "(سورة الأحزاب – الآية 56)، اللهم صلاتك و سلامك دائمين دوام
الفرقتين و ما طلعت شمس في الخافقين، على الذي أهدى إلينا الإستبصار مفروغا
منه و لم يحوجنا إلى البحث بالمقاييس عنه ، سليل أكرم نبعة، و قريع أشرف
بقعة، سيدنا محمد النبي الرسول الصفي و على آله و صحبه و خلفائه وتبعه على
ممر الحقب، و على سائر أنبيائك و رسلك، إتباع لأمر نبيك صلى الله عليه و
سلم حيث قال"صلوا على أنبياء الله و رسله فإن الله بعثهم كما بعثني"(
لبيهقي).
عباد الله استنجحوا ربكم واطلبوا إليه و استمنحوه فإن لا يستنفده سائل و
لا يستنقصه نائل، اللهم اقصم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك و
من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحييتنا، و اجعلها الوارث منا،
و اجعل ثأرنا على من ظلمنا، و انصرنا على من عادانا، و لا تجعل مصيبتنا في
ديننا، و لا تجعل الدنيا أكبر همنا، و لا مبلغ علمنا، ولا غاية رغبتنا،
ولا إلى النار مصيرنا.
اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك فينا و لا يرحمنا، اللهم اجعل علينا صلاة
قوم أبرار، يقومون الليل و يصومون النهار، ليسوا بآثمة و لا فجار، اللهم
إنا نعوذ بك أن نفتقر في غناك أو نضل في هداك أو نُظام في سلطانك، او أن
نظطهد في الأمر إليك، اللهم اغفر للمسلمين و المسلمات الأحياء منهم و
الأموات، يارب العالمين اغفر لنا ما وأينا من أنفسنا ولم تجد له و فاء
عندنا، اللهم اغفر لنا رمزات الألحاظ و همزات الألفاظ و هفوات اللسانبرحمتك
يا أرحم الراحمين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل و الإحسان, و إيتاء ذي القربى و ينهى عن
الفحشاء و المنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم ،
و اشكروه على نعمه يزدكم و لذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من موقع الكراسي العلمية