Video

ضع بريدك الالكتروني

مدعوم منFeedBurner

قران يتلى اناء الليل واطراف النهار

طريق التوبة في الهاتف النقال
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك


اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

قوله: (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )) هذا دعاء من العبد أن الله يعينه على ثلاثة أشياء:
الذكر،
والشكر،
وحسن العبادة،

لأن المؤمن لابد أن يجمع في عبادته: بين الذل لله عز وجل، والافتقار إليه، وعبوديته [ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ] (الفاتحة)

وأظن أننا لسنا في المرتبة الأولى في هذا المقام، لأن الناس في هذا المقام أربعة أقسام:
منهم من: يعبد الله ويستعينه.
ومنهم من: لا يعبد الله ولا يستعينه.
ومنهم من: يغلب جانب الاستعانة.
ومنهم من: يغلب جانب العبادة.
وأعلى المراتب: الأولى، أن تجمع بين العبادة والاستعانة. ولننظر في حالنا الآن - وأنا أتكلم عن حالي -
دائما نغلب جانب العبادة، فتجد الإنسان يتوضأ
وليس في نفسه شعور أن يستعين الله على وضوئه، ويصلي وليس في نفسه شعور أن يستعين
الله على الصلاة وأنه إن لم يعنه ما صلى.

وقلنا: الناس ينقسمون أربعة أقسام، لكن الحقيقة أننا في غفلة عن هذا، مع أن الاستعانة نفسها عبادة، فإذا صليت - مثلاً - وشعرت أنك تصلي لكن بمعونة الله وأنه لولا معونة الله ما صليت، وأنك مفتقر إلى الله أن يعينك حتى تصلي وتتم الصلاة، حَصَّلْتَ عبادتين:
الصلاة والاستعانة.

فأكثر عباد الله - فيما أظن الآن، والعلم عند الله - أنهم يغلبون جانب العبادة، فتراهم  يغلبون جانب العبادة، ويستعينون بالله في الشدائد، فحينئذ يقول أحدهم: اللهم أعني، افلامعالم حواءانجليزى لكن في حال الرخاء تكون الاستعانة بالله قليلة من أكثر الناس. كما أن بعض الناس تجد عندهم تهاوناً في العبادات لكن عندهم استعانة بالله، كل أمورهم يقولون: إن لم يُعِنَّا الله ما نفعل شيئًا، حتى شراك نعالهم ما يصلحه إلا مستعينًا بالله، هذا حسن من وجه لكنه ضعيف من وجه آخر. ومن الناس من يعبد الله ويستعينه، يجمع بين الأمرين ويعلم أنه عابد لله متوكل عليه، ولهذا دائمًا يقرن الله تعالى بين العبادة والتوكل، والتوكل هو: الاستعانة [ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ] (هود: 123) ،
[ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ] ( الفاتحة ). ومن الناس من لا يعبد الله ولا يستعينه - والعياذ بالله - وهؤلاء الملحــدون، فهؤلاء لا يستعينون الله ولا يعبدون الله.

=====

فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله
شرح الأصول من علم الأصول
ص 119

الاثنين، 10 يونيو 2013

كم مضى من عـُـمُـرِك ؟؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
كم مضى من عـُـمُـرِك ؟؟؟

العُــمُـر يمضي سريعـاً
والعُــمُـر ما مضى منه لا يعـود
قيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت ؟
قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة ؟
وقال الحسن : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضي يوم مضي بعضك .
وقال : ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك ؛ يوضعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطراً ؟
وقال : الموت معقود بنواصيكم ، والدنيا تطوي من ورائكم .
وقال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تـُـقدِّم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزوّد لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بَغَـتـَـك .
وكتب بعض السلف إلى أخ له : يا أخي يَخيّـل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تُساق مع ذلك سوقا حثيثا ، الموت متوجِّه إليك ، والدنيا تطوى من ورائك ، وما مضى من عمرك فليس بِكَـارٍّ عليك حتى يَكُـرَّ عليك يوم التغابن .
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر == ولا بــد من زاد لكل مسافــر
ولا بد للإنسان من حمل عدة == ولا سيما إن خاف صولة قاهر
وأنشد بعض السلف :
إنا لنفــرح بالأيام نقطعهــــــــــــا == وكل يوم مضي يدني من الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا == فإنما الربح والخسران في العملِ
[ أفاده ابن رجب في جامع العلوم والحِكم ]

والعُــمُـر فيه سـؤالان
سؤال عن مرحلة القوة والكسب والإنتاج
وسؤال عن العُــمُـر جملة
ولذا لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس ؛ منها :
عن عمره فيم أفناه ؟
وعن شبابه فيم أبلاه ؟
فـأعِـدّ للسؤال جواباً على أن يكون الجواب صواباً

تأمل في عُـمُـرِك
كم مضى منه ؟
وهل انتفعت بما مضى من عُـمُـرِك ؟؟ أو مضى سبهللاً وضـاع سُـدى ؟؟

سأل رجل الإمام الشافعي عن سنه قال : ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه ، سأل رجل الإمام مالك عن سنه فقال : أقبل على شأنك . ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه ؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه ، وإن كان كبيرا استهرموه .

تأمل في عُمُرِك
فإن كنت صغيراً فقبيح أن يزول عمرك سريعا في لهو طيش
وإن كنت كبيراً فتدارك ما فات ، فما أقبح التصابي من شيخ كبير

أيا نفس ويحك جاء المشيب == فما ذا التصابي ؟ وما ذا الغزل ؟

تأمل قول القائل :
الناس صنفان ك موتى في حياتهمُ == وآخرون ببطن الأرض أحياءُ

فمن أي الصنفين تريد أن تكون ؟

لقد وقفت وطال وقوفي
وتأمّلتُ فما انقضى التأمّل
وكم تعجّبت وأنا أقرأ سيرة ذلك العالم الذي سارت بأخباره الرّكبان
وطوّف بكُـتُـبه في الآفاق
وقرأها الصغير والكبير
ودَرَّسها العلماء لطلاّب العلم

إنه الشيخ حافـظ حكمي - رحمه الله –
صاحب المصنّفات النافعة في العقيدة وغيرها
أتعجّب من سيرته
ومثار العجب أنه وُلِـد عـام 1342 هـ وتوفي عـام 1377هـ
كم كان عمره عندما مات ؟؟
لقـد كـان عمـره 35 سنــة فقــط
ما أعظم أثره على الناس وقد مات في ريعان شبابه
فكيف لو عاش ردحـاً من الزمن ؟؟

قـف مع هذه السيرة ، ثم قارنها بسير بعض العلماء الذين لم يطلبوا العلم إلا بعد الأربعين
ليس ثمّ صغير على العلم ، كما أنه ليس هناك كبير على العلم والتّعلّم
حتى ذكروا في ترجمة شبل بن عباد المكي أنه طلب العلم بعد الخمسين .
وجاء في سيرة أبي نصر التمار أنه ارتحل في طلب العلم بعد الستّين .

فتأمل في سيرة الشيخ حافظ وكيف بقي أثره في الناس ؟ وعـمّ نفعه ؟
وتأمل في سير أولئك الأخيار الذين طلبوا العلم وتعلموا بعدما كبروا وبقي أثرهم في الناس

فلم يعُـد لك عـذر في إضاعـة عمـرك
وينبغي أن تنظر في عمرك مقارنة بأعمار الآخرين .
قال بكر بن عبد الله : إذا رأيت من هو أكبر منك فقل : هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني ، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل : سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني .

فإن كنت صغيرا فلا تقل : إذا كبرت عملت وعملت
وإن كنت كبيراً فماذا تنتظـر ؟

فليس بعد الكِبَرِ إلا الموت !

فهنيئاً لمن بادر فترك له أثراً يُنتفع به

فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها == فالذِّكر للإنسان عمر ثاني
----------------------
المصدر موقع : صيد الفوائد

الاثنين، 15 أبريل 2013

الشيخ الدكتور فريد الانصاري - طريق النجاة

الشيخ الدكتور فريد الانصاري - طريق النجاة 

 

 

 

ولد فريد الأنصاري - Farid Al Ansari بالجرف الرشيدية (جنوب شرق المغرب) 1380هـ / 1960م، وانخرط في العمل الإسلامي الحركي، والشبيبة الإسلامية (أول التنظيمات الإسلامية المغربية) في أوج حيويتها تحت رئاسة مؤسسها الأستاذ عبد الكريم مطيع، ضمن جمعية الدعوة الإسلامية بفاس، التي توحدت مع عدة جمعيات إسلامية أخرى لتكون "رابطة المستقبل الإسلامي"، والتي بدورها توحدت لاحقا مع حركة الإصلاح والتجديد، ليكونا معا "حركة التوحيد والإصلاح" في 1996. لكن الفقيد قدم استقالته من حركة "التوحيد والإصلاح" في العام 2000 لينخرط في سلك الدعوة العامة عبر مؤسسات المجلس العلمي الأعلى والمحلي بمكناس. وفي مساره العلمي حصل الأنصاري على إجازة في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد بن عبد الله بكلية الآداب بفاس، ودبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم دكتوراة الدولة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة الحسن الثاني بكلية الآداب المحمدية.
والفقيد عضو مؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وعمل أستاذا لكرسي التفسير بالجامع العتيق بمدينة مكناس، وأستاذا لأصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس. وتولى أيضا رئاسة وحدة الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة لقسم الدراسات العليا بجامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس.
واتجهت مؤلفاته العلمية الأخيرة إلى ترسيخ الدعوة لتأصيل العلم الشرعي وإشاعة "مجالس القرآن" وتدبر "بلاغات الرسالة القرآنية" أسوة بالتجربة النورسية (نسبة إلى الداعية التركي سعيد النورسي).
وإجمالا دعت مؤلفاته العلمية إلى الانطلاق من القرآن إلى العمران، كما بشر فيها بعودة البعث الإسلامي من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام
.

الأربعاء، 10 أبريل 2013

فلسفة العمر للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله


من أهم مصادر الجمال في الإسلام عقيدةُ اليوم الآخر، لكننا لن نذوق جماليتها إلا بعد معرفة ما "العمر"؟ هذا الامتداد الزماني الحاد المحدود، الذي يحد فترة حياة الإنسان، من الولادة إلى الممات.

العمر هبة إلهية كبرى.. إنه تجلٍّ من تجليات الحياة، بيد أن حقيقته نسبية ككل حقائق الحياة الدنيا. فليس فيه -إذا تفكرت- طويل وقصير، وإنما هو قصير كله. فمن حيث منطق الأشياء وطبائعها: كل ما ابتدأ لينتهي لا يكون إلا قصيرا. أليس كل الناس يموتون بعد سنوات من تاريخ ميلادهم؟! نعم، سنوات، وإن هي إلا سنوات، لا مئات السنين، ولا آلافها.

ثم إن المقارنة النسبية بين أعمار الخلائق المختلفة تبيّن لك نسبيّة الطول والقصر باعتبار آخر. فمن الخلائق التي تعيش مئات السنين أو آلاف، من غير البشر، كالأشجار، والجبال ونحوها، وكالشياطين -وقد قال إبليس اللعين: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(الحجر: 36-38)- إلى الكائنات التي تعمر الشهر والأسبوع واليوم، كبعض الحشرات، من مثل النحل، والذباب، والفراش. فلو نظرت إلى ما يشعر به المعمَّر مئات السنين أو آلافَها وهو ينظر إلى عمر الإنسان لوجدته يتأسف على شدة قصره، ويأسى على الإنسان الذي لم يمد له في عمره إلا قليلا، وهو لا يدري أن عمره هو أيضا بالنسبة إلى من هو أطول عمرا قصير جدا.

قصر الأعمار

ولو نظرت أنت -باعتبارك الإنساني- إلى أعمار الحشرات التي تعيش شهرا أو أسبوعا أو يوما، لأشفقت عليها من شدة قِصَرِ ما تعيشه من لحظات. ومما أرويه عن علماء الأحياء، أن ضربا من الفراش يعيش دورته البيولوجية الكاملة، في مدة لا تتجاوز أربعا وعشرين ساعة. يكون بيضة، ثم يخرج منها، فيدبّ دودة، ثم يلتف حول نفسه في غشائه، ليطير بعد ذلك فراشة، ثم يبيض ما شاء الله له ليخلّف ذريته بأمان، ثم يموت. كل ذلك في أربع وعشرين ساعة! وعندما كنتُ أقرأ أن بعض الحشرات يعيش ثمانية أيام على الأكثر، كان يتبادر إلى ذهني أن تلك الحشرة إذا طال عمرها إلى اليوم الثامن، تنشد كما أنشد الشاعر العربي القديم:
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ ومَنْ يَعِشْ
ثَمَانِينَ حَوْلاً -لاَ أبَا لَكِ- يَسْأمِ!
واليوم الواحد بالنسبة إلى وجدان الحشرة كعشر سنوات كوامل، لا فرق. ولو نظرت إلى ما أخبر به الله عن الزمان الكوني في القرآن، لأدركت أن الأعمار كلها بالفعل قصيرة.

الزمان الكوني وتجلياته

والزمان الكوني صور وأقسام شتّى، يتجلى بعضها في بُعْدِه "المِعْرَاجِيّ"، وهو نوعان: الزمان الأمري والزمان الملائكي. فـ"الزمان الأمري" هو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾(السجدة:5)، و"الزمان الملائكي" هو المشار إليه في قوله سبحانه: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(المعارج:4). كما يتجلى في صورة "الزمان العِنْدِيّ" وهو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾(الحج:47). وهو زمان "الملائكة العندية" المشار إليها في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾(الأعراف:206){س}. ثم "الزمان الأخروي" وهو الزمان الخالد السرمدي الذي لا ينتهي أبدا.

وفي ذهنك، أنت أيها المعمَّر مائة عام أنك عشت عمرا مديدا. نعم تماما كما عُمِّرَت الحشرةُ ثمانيةَ أيام، أو أربعا وعشرين ساعة.

ولك أن تتفكر في نسبية الزمن عند تقلّب أحوال النفس الإنسانية، بين شتّى ضروب الانتظار مثلا.. عندما تنتظر حلول لحظة سعيدة لم يبق بينك وبينها إلا لحظات يسيرة من دقائق معدودات.. تَشعُر أنها تمر ببطء شديد، وتقلق من "طول" الانتظار؛ فكأنّ وقع الدقائق تلك في نفسك عدة أعوام. وعندما تحلّ اللحظة السعيدة، تشعر -رغم طول مدتها بالنسبة إلى لحظات الانتظار- أنها قصيرة جدا، فكأن وقتها يتصرم منك تصرما. الزمن نسبي.. وتلك هي حقيقة الأعمار.

الطول والعرض في الأعمار

والعمر -عند التفكر في الخلق الإلهي- هو حقيقة الإنسان. إذ ليس المرء إلا بداية ونهاية! ساعة ولادة فساعة وفاة. ولكن.. شتان شتان بين عمر وعمر! ليس ذلك باعتبار الطول والقصر؛ إذ الأعمار كلّها قصيرة كما أسلفنا، ولكن باعتبار العرض والضيق، إذ قد يكون العمر طويلا -حسب العد البشري النسبي- ولكن يكون ضيقا من غير سعة. كما قد يكون قصيرا بالاعتبار نفسه، ولكنه عريض جدا، حتى لكأنه لا يكاد ينتهي أبدا.

وبيان ذلك بالمثال التالي: هَبْ أن العمر عبارة عن طريق يقطعها الإنسان، لها امتداد طولي وآخر عرضي. والعادة أن الإنسان إنما ينتبه إلى الطول؛ لأن ذلك هو المتعلق بمفهوم الزمن (الماضي والحاضر والمستقبل)، ولكنه قلّما ينتبه إلى العرض؛ لأن هذا إنما يتعلق بالأعمال والمنجزات خلال كل فترة من فترات الزمن.

فالإنسان في سيره خلال عمره نوعان: نوع يخطو دون أن ينتبه إلى عرض الوقت، فيلتهم من طوله ما هو مقدّر له، فلا يشعر ببركة العمر مهما طال، حسب العد البشري النسبي. ونوع ينتبه إلى العرض؛ ولذلك فهو إذ يخطو الخطوة الواحدة من عمره، لا ينتقل إلى الثانية حتى يخطو مثلها على عرض الطريق لا على طولها ليعيش باقي اللحظات التي هي من الخطوة الطولية الأولى نفسها التي خطاها.

وهكذا يبقى يخطو على عرض الطريق حتى يستوعب كل عرضها. وحينئذ فقط، ينتقل إلى أمام ليخطو خطوة أخرى على طولها، ثم يستأنف بعد ذلك خطوات العرض. فهو إذن يسير طولا وعرضا.

إن مفهوم العرض رمز إلى استغلال الوقت استغلالا كاملا. لأن الناس -في الغالب- يعيشون اللحظة الواحدة، بما لا يكفي لعمارتها من الأشغال والأعمال. وربما أمضوها بالفراغ، وذلك هو ما يسمى بقتل الوقت. والعرض هو استنفاد كل الحيز الزمني للحياة بالمنجزات الإيجابية، والأعمال الحية التي تملأ رصيد العبد بالحياة الحافلة بالخير. وتلك هي "بركة العمر" المرجوة في الأدعية المأثورة. وإني إذ أذكر هذا المعنى أذكر وصف الله للجنة بقوله سبحانه: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾(الحديد:21)، ذلك أن الجنة زمن خالد، فأنت تعيش اللحظة الواحدة مرات عديدة، لا تنقضي أبدا. كما أن نعمها الوفيرة لا تستنفد أبدا. فذلك هو العرض ذو المعاني الجميلة.

أما الطول فهو يوحي بالنهاية والزوال، ومن هنا لم تكن للأعمار قيمة من حيث طولها أو قصرها. وإنما البليد من الناس من يتشبث بالطول الدنيوي. قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾(البقرة:94-96).
ذلك أن جشع الكفار وجهلهم بحقيقة الحياة، يجعلهم ينظرون للدنيا من خلال بُعْدٍ واحد، هو البعد الطولي. وهو بعد خداع، لأن الألف سنة فيه كاليوم لا فرق، ما دام الطول ينتهي إلى حد. والعدد في الوحدات الزمنية الدنيوية -كما رأيت- نسبي، ورب حشرة عاشت بضع لحظات، أو بضعة أيام، أزكى عمرا ممن عمر ألف سنة. ومتى كان الإنسان هو المقياس الحقيقي لوحدات الزمن؟!
العمر الطولي والعرضي

ومن هنا ذمّ الله الحياة الدنيا، من حيث هي طول يُتلهف فيه على المتع الزائلة، والمكاسب الفانية: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(الحديد:20)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا لي وللدُّنْيا..؟ ما أنا في الدنيا إلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تحت شَجَرَةٍ ثم رَاحَ وتَرَكَها!"(رواه الإمام أحمد والترمذي).

والأحاديث في ذم الدنيا والركون إليها كثيرة جدا، تملأ أبوابَ الرِّقَاقِ من كتب الحديث النبوي الصحيح. وهي لا تخرج في معناها عن التنبيه إلى خطورة النظر القاصر إلى الزمن، والتكالب على استنفاد لحظات العمر في عَدِّ طولٍ لا يمنع من الموت شيئا.

والجميل في الأمر أن العرض لا ينقضي بوفاة الإنسان، بل يمتد حتى بعد وفاته؛ فلا تجده يشعر ذلك الشعور اليائس الذي يزلزل نفسية الكفار، إذ يشعرون عند ذكر الموت بهول "الفناء".

وقد رأينا كثيرا من علماء الأمة الإسلامية ممن لم يعمَّر من حيث الطول إلا ثلاثا وخمسين سنة، كالإمام الشافعي رحمه الله، ولكن ها أنت تراه -بعد وفاته بأكثر من ثلاثة عشر قرنا- يملأ الدنيا بالحياة. فهذا مذهبه الفقهي يملأ عرض الدنيا وطولها، وهذه كتبه العلمية تملأ كل أعمار الناس. فهل عاش الشافعي بضعا وخمسين سنة فقط؟! إنه نظر قاصر لمفهوم الزمن إذن.

وكذلك الشأن بالنسبة للإمام النووي رحمه الله، الذي لم تزل مصنّفاته هي مادة التربية الإيمانية لملايِين المسلمين، ككتاب "رياض الصالحين"، وكتاب "الأذكار"، و"الأربعين النووية"، و"شرح صحيح مسلم". فهذا الرجل العظيم قد عاش عمرا مباركا عريضا جدا، في خمس وأربعين سنة فقط.

ومن المعاصرين الإمام حسن البنا رحمه الله الذي استشهد عن عمر لا يتجاوز الثلاث والأربعين سنة، ولكنه لم يزل يمتد في حياة الأجيال امتدادا قويا، لا تحدّه مقاييس الأعمار الفانية.. إنك تراه هنا وهناك حيا، يحرك الأحداث المعاصرة، ويهز الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية هزا في كل مكان. أولئك قوم عرفوا كيف يعيشون عرض العمر، ولم يأبهوا لطوله الكاذب.

وقد وجدنا النصوص القرآنية والحديثية تنبّه المسلمين إلى هذا المعنى العظيم، حيث يملك المرء معه أن يعيش حتى التخمة، حياة حافلة بالحياة. يقول الله عز وجل في العبد يستثمر وقته في العمل الصالح: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة:261)، وهو ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة"(متفق عليه).

ويموت الإنسان لكن يمتد عرض عمره بعده. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(رواه مسلم) وقال أيضا: "مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَنْ عَمِلَ بها بعده، من غير أن يُنْقَصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ."(رواه مسلم). وذلك كل فعل الخير الذي لا ينقطع أثره بالموت.

الحياة الآخرة

ثم إن الإيمان بالحياة الآخرة يشعر المسلم بأن الموت إنما هو مَعبر إليها، فلا يحس في وجدانه العميق بأنه ينتهي بالموت؛ فيعيش الحياة بذوق آخر، ملْؤه العمل والأمل في أن تكون أخراه أفضل من دنياه..

فيا لبؤس عمر يعيشه الإنسان وهو يشعر بأن الموت هو آخر المطاف! انظر إلى هذه الإشارة الإلهية في وصف نفسية الملاحدة المنكرين للبعث، إذ يقتلهم اليأس، ويدمرهم القنوط.

قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾(الأنعام:125)، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾(الحج:31).
فانظر إلى هذا الزلزال النفسي، والشعور بالدمار والخراب في الحياة! الذي يملأ صدور الكفار، واليأس القاتل الذي يجثم على أحلامهم، لما يعيشونه من فقر شديد في العلم بالله. بينما يملأ هذا حياة المسلم سعة ورحمة، بسبب ما يتيحه له من آفاق أرحب، للنظر في الحياة والكون والمصير. وفقدانه يعني فقدان التوازن النفسي حتما في التعامل مع العمر.
هذا الرصيد الوحيد لدى الإنسان، الذي عليه أن يوظفه ليسعد أو ليشقى. ودون هذا الفضاء الواسع الرحب لا يوجد إلا اليأس القاتل، والخراب المدمر، وهو حال كل منكر للبعث من الكفار والملاحدة أجمعين. وما ذلك إلا لأنهم -كما وصفهم الله تعالى- ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾(الممتحنة:13).
ومن هنا فأنت ترى أن الباب الفسيح الذي يمد عمر المسلم بالاتساع، إنما هو مفهوم "الغيب".
هذا المفهوم الذي تقوم عليه العقيدة الإسلامية بأكملها. فهو الذي يملأ حياة العبد العامل أملا، ويغمر وجدانه حياة متدفقة أبدا، لا يحدها أجل، ولا تقطعها وفاة!

مجلة حراء

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More