Video

ضع بريدك الالكتروني

مدعوم منFeedBurner

قران يتلى اناء الليل واطراف النهار

طريق التوبة في الهاتف النقال
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأخلاق و الآداب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأخلاق و الآداب. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 4 يوليو 2014

خطبة الجمعة / خُلُق العفو وكظم الغيظ

خطبة الجمعة / خُلُق العفو وكظم الغيظ
 
الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالعفو وكظم الغيظ فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ () وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 199، 200]. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، امتثل أمر ربه فكان حليما غفورا، لا يرد السيئة بمثلها بل يعفو ويصفح، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:
عباد الله: مازلنا مع أخلاق نبينا وشمائله الطيبة المباركة، ونقف اليوم مع خلق ما أحوجنا إليه اليوم، إنه خلق كظم الغيظ والعفو عن الناس والسماح لهم فيما يرتكبوه في حقنا من أخطاء ونزوات.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان ابن عيينة عن أمه قال: لما أنزل الله، عز وجل، على نبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا جبريل؟" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك". وكذلك كان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. فعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ أمشي مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدةً ، فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مُر لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ . فَالتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي غزة حنين أفاء الله على المسلمين مالا كثيرا، فتألف عليه السلام به بعض الأعراب حديثي العهد بالإسلام ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ؛ قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ . فَقال عبد الله بن مسعود: " وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ" البخاري ومسلم
عباد الله إن العفو والصفح وصيةُ الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهي تعم جميع أمته . ولقد اقتدى الصحابة بنيهم في الأخذ. روى البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس قال: « قَدِمَ عُيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر ، فنزل على ابن أخيه الحُرِّ بن قيس بن حصن ، وكان من النفر الذين يُدْنيهم عمر ، وكان القُرَّاءُ أصحابَ مَجْلِسِ عمر ومَشُورَتِه ، كُهُولا كانوا أو شُبَّابا. فقال عيينة لابن أخيه : يا ابنَ أخي ، هل لك وَجْه عند هذا الأمير ، فَتَسْتأْذِنَ [لي] عليه ؟ قال : سأسْتَأْذِنُ لك عليه ، قال ابن عباس :فاسْتَأْذن [ الحُرُّ] لِعُيَيْنَةَ، فلما دخل قال : هي يا ابن الخطاب (لم يخاطب بصفته أمير المؤمنين)، والله ما تُعطِينا الجَزل (أي العطاء الكثير) ، وما تَحْكُم بيْنَنَا بالعَدْلِ ، فغضب عمر حتى همَّ بأن يُوقِعَ به ، فقال الحُرُّ : يا أميرَ المؤمنين ، إِن الله تعالى قال لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- : {خُذِ العَفْوَ وأمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر - رضي الله عنه - حين قرأها عليه ، وكان وقّافا عند كتاب الله تعالى ». قال ابن حجر: " ومعنى ما جاوزها ما عمل بغير ما دلت عليه بل عمل بمقتضاها ولذلك قال وكان وقافا عند كتاب الله أي يعمل بما فيه ولا يتجاوزه وفي هذا تقوية لما ذهب إليه الأكثر ان هذه الآية محكمة"
نزغات الشيطان والغضب المانع من كظم الغيظ :
مما يعين على الصفح والعفو أن يحذر المسلم من نزغات الشيطان، ولذلك قال الله عز وجل بعد الأمر بالعفو: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }، والنزغ حركة فيها فساد ، وقلَّما تستعمل إلا في فعل الشيطان. والشيطان هو الذي يزين لنا الغضب والانتصار للنفس. روي في الصحيح عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمد، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ. وَأَحَدَهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ. لَوْ قَالَ: أَعُوذ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم».
وروى الترمذي عن سهل بن معاذ بن أَنس الجهني : عن أبيه : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : « مَن كظم غيظا - وهو يستطيع أن يُنفِّذه - دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيِّرَه من أي الحُور شاء ».
خطبة 2 :
قال الطبري بعد ايراد أقوال العلماء في قوله تعالى " خذ العفو" وقول من قال انها منسوخة بآية القتال: " الأولى بالصواب انها غير منسوخة لأن الله اتبع ذلك تعليمه نبيه محاجة المشركين ولا دلالة على النسخ فكأنها نزلت لتعريف النبي صلى الله عليه و سلم عشرة من لم يؤمر بقتاله من المشركين، أو أريد به تعليم المسلمين وأمرهم بأخذ العفو من أخلاقهم فيكون تعليما من الله لخلقه صفة عشرة بعضهم بعضا... ".
-فما أحوجنا عباد الله إلى كظم الغيظ مع زوجاتنا وأبنائنا، فبكظم الغيظ نحفظ أسرنا ونبنيها على تقوى من الله ورضوان، وبالغضب والانفعال نهدمها ونسعى في خرابها.
فقوله سبحانه " خذ العفو" أمر بأن نأخذ العفو وهو ما سهل وتيسر من أفعال الناس وأخلاقهم من غير كلفة. والمعنى أن: " نقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفواً دون تكلف ، فالعفو هنا الفضل والصفو الذي تهيأ دون تحرج "، ويتأكد الأمر في حق الأبناء والزوجة أو الزوج فقد قال الله لنبيه " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين" بل الواجب أن نيسر وألا ننفر، كما قال عليه السلام: بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا" .
- وما أحوجنا إلى كظم الغيظ مع العمال أو مع من يساعدونا في العمل كالأجراء وغيرهم، روى الترمذي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : « جاء رجل إِلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : يا رسولَ الله ، كم أعْفو عن الخادم؟ فَصَمَت عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم قال : يا رسولَ الله ، كم أعْفو عن الخادم ؟ فقال : اعْف عنه كلَّ يوم سبعين مرة ». أخرجه الترمذي.
- ما أحوجنا إلى كظم الغيظ في مساجدنا، وأن نكون لينين هينين، لا نرد الإساءة بمثلها، ونقبل النصيحة من بعضنا البعض.
- ما أحوجنا إلى كظم الغيظ في طرقاتنا، فكثير ما نتعرض للاستفزاز في الطريق، فنجد مثلا من يتعدى على حقنا في الأسبقية، أو من يتجاوز في مكان يمنع فيه التجاوز... فلنكن حلماء صبورين ، ولنتذكر ما قاله عليه السلام بعدما سمعه من الأذى: "رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر"
- ما أحوجنا لكظم الغيظ وللصبر في علاقتنا الاجتماعية خاصة مع الأقارب والعائلة. روى مسلم عن أَبي هريرة رضي الله تَعَالَى عنه: أنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا رسول الله ، إنّ لي قَرَابةً أصِلُهم وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلُمُ عَنهم وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ! فَقَالَ : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ظَهيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ )) رواه مسلم . وهذا هو الصفح الجميل الذي أمر به الله عز وجل في قوله: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ]. ومن كان ينتظر عفو الله ومغفرته، فليعف عن خلق الله وخاصة أقاربِه: قال تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } [ النور : 22 ] . ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر الصديق ومسطح بن أثاثة ، وهو ابن خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين ، وكان أَبو بكر ينفق عليه لمسكنته ، فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبداً ، فجاءه مسطح فاعتذر وقال إنما كنت أغشى مجلس حسان فأسمع ولا أقول ، فقال له أبو بكر لقد ضحكت وشاركت فيما قيل ومر على يمينه ، فنزلت الآية، روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال إني لأحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح النفقة والإحسان الذي كان يجري عليه ، قالت عائشة وكفر عن يمينه.
الداعية الخطيب الدكتور الحسن الموس
منقول للافادة
 

السبت، 6 أبريل 2013

سر الدعاء وخفاء الأسماء


الدين غذاء كلي شامل، غذاء للروح وللعقل وللبدن جميعا؛ فكل الصلوات، وكل الزكوات، وسائر الأعمال من الأركان والسنن والفضائل أطباق شهية من غذاء الدين. بيد أن كثيرا من الناس في هذا العصر غلب عليهم الاهتمام -من الدين- بما يغذي العقل فقط، أو ما يغذي عزيمة جهاد العدو فقط، أو ما يشحذ الذهن لخوض غمار الصراع السياسي فقط. وكل ذلك زاد ضروري للمؤمن، لكنه جزء من الدين وليس كل الدين.
ومن ثَمَّ كان لابد من تغذية أخرى، تغذية ترجع على كل ما سبق بالتخلية والتحلية؛ حتى يكون معبّرا بصدق وإخلاص عن حقيقة الدين.. تغذية ذات طبيعة أخرى ومذاق آخر، تنال فيها من لذات الروح ما لا تجده في شيء آخر.. إنها "خلوة الروح للمناجاة والابتهال"، خلوةٌ لا يعكر صلتَك بالله فيها شيءٌ على الإطلاق.
وإنما هي أوقات تختارها بنفسك، لتناجي فيها ربَّك بالثناء والدعاء، أوقات يصفو فيها قلبُك لله ويخلص له، بليلٍ أو نهارٍ، فتعرج إليه أشواقُك في خلوات الروح رَغَباً ورَهَباً، عبر كلمات الذكر والثناء عليه تعالى، بما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، مما عَلَّمَنَا سبحانه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى.. فتدعوه بما دعاه الأنبياءُ والصِّدِّيقون والأولياءُ المخلَصون.
وإنَّ لِذِكْرِ الله جل جلاله بالدعاء والثناء عليه -مَقْرُونَيْنِ- لأثراً عجيبا على النفس، وإن ذلك لمن أحب العبادات إلى الله، وأقربها طريقا إليه تعالى. والثناءُ على الله جل جلاله يكون أساساً بما أثبت لنفسه تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ ذلك أن الثناء عليه تعالى بأسمائه وصفاته، وجميل صنعه وفعاله، وحكمة تقديره وتدبيره مرتبط أشد الارتباط بأدب الدعاء، في كل الصيغ الواردة عن الأنبياء والصالحين، كما هو منصوص عليه في القرآن الكريم والسنة النبوية بشكل مستفيض؛ حتى إنك لا تكاد تجد دعاءً قرآنيا أو سُنِّيا إلا وتجده مقرونا بالثناء على الله بجمال أسمائه وصفاته تعالى. وهو منهج بقدر ما يكون أدعى للإجابة والقبول، يزيد العبد معرفة بالله وعلما به جَلَّ عُلاَه. وإن ذلك لَهُوَ من أعظم المقاصد التعبدية في الدين، ومن أجمل الطرق الموصلة إلى رب العالمين.
وإنَّ أوقاتاً تصفو فيها النفس لمثل هذا لهي "الأوقات" حَقّاً! وقد كان الربانيون من قبلُ إذا عَلِمُوا أحدَهم له مثل ذلك قالوا في ترجمته: "فلان له أوقات"، أو "كان صاحب أوقات" وكأنما "الوقت" -بهذا المعنى- إنما هو ما تمضيه في مناجاة الله.. وما سواه ليس لك بوقت، بل قد ضاع منك ومضى هدراً..! وأما الآخر فقد بقيتْ لكَ بركاتُه إلى يوم القيامة؛ لحظاتِ خُلْدٍ تؤتي أكلَها كلَّ حين بإذن ربها، فَأَكْرِمْ بِهِ من "وَقْتٍ" وأنْعِمْ!
ذلك أن المناجاة لله والابتهال -بالدعاء والثناء عليه تعالى- تورث القلب إشراقا نورانيا خاصا، يجعل العبد شفافَ الروح، صافي الوجدان، يرى بنور الله.. فإذا به يتدرج -ما داوم على ذلك- عبر مدارج الإيمان نحو منـزلة الولاية حتى يكون ممن أوتي البركةَ والحكمة، من الصّدّيقين والرّبّانيينَ.

سر الإخلاص
فأنْ تُناجيَ الله بالدعاء -كما وصفنا- يعني أنك تعبده بصدق، لأن الدعاء إنما يكون عند "الشعور بالافتقار" وذلك سر الإخلاص، وحقيقة التوحيد؛ ومن هنا لا يمكن للمضطر إلا أن يكون مخلصا إذا دعا الله جل وعلا على الحقيقة؛ نعم، حتى لو كان مشركا. وإنما يكون إخلاصه للحظة عابرة، هي لحظة "الشعور الاضطراري بالافتقار إلى الله"، ثم يعود إلى شركه.وسَبَبُ ذلك واضحٌ على مستوى النفس الإنسانية وطبيعتها، فاقرأ إن شئت قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا﴾(الإسراء:67)، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكاَنٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾(يونس:22-23). ومثله قوله سبحانه: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾(العنكبوت:65)، والسر في إخلاص المشرك عند الدعاء -ساعةَ الخوف والاضطرار- إنما هو شعوره الصادق بالحاجة إلى الله اضطراراً، فهنالك يَضِلُّ عنه كلُّ ما كان يشرك به من قبل، ولا يبقى عنده من أمل حقيقي يتعلق به إلا الله.

حقيقة الدعاء
وإنما القصد من هذا كله بيان أن الدعاء هو التعبير الصادق عن الاحتياج والافتقار إلى الله؛ فكان بذلك هو أصفى لحظات العبادة لله وأخلصها لوجهه الكريم، والمؤمن الصادق المخلص هو أولى به وأجدر. فسير العبد إلى الله كلُّه دعاءٌ بهذا المعنى.. سواء في ذلك صلاتُه، وصيامه، وزكاته، وذكره، وشكره، وخوفه ورجاؤه، وسائرُ عمله. كل ذلك إنما حقيقته طلب رضى الله، وابتغاء وجهه جل علاه. وما معنى الدعاء غير هذا؟ فلم يبق شيء من الدين إذن لم يدخل في معناه. فلَكَ أن تقول إن الذي لا يدعو ربه -على كل حال- لا يعبده بصدق؛ بما هو لا يمارس العبادة على وجهها الحقيقي، أي تحقيق معنى الافتقار إلى الله في كل شيء، سواء على مستوى الوجدان أو التعبير.
ولذلك كان الدعاء هو جوهر العبادة وروحها. وكان ذلك البيان النبوي البليغ -من جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم- مما رواه الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدّعَاء هو العبَادة" ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(غافر:60)" (أخرجه الأربعة)، ومن هنا تضافرت الآيات، وتواترت الأحاديث في الأمر بالدعاء؛ فكان قول الله تعال مما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور دالا على وجوب الدعاء على الإجمال، إذ المخالفة مآلها ترهيب كما هو واضح من سياق الآية: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، وعلى هذا يفهم قوله صلى الله عليه وسلم: "من لا يدْعُ الله يغضَبْ عليه" (أخرجه الحاكم)، أي بما هو قد استغنى عن الله، فكأنما الحديث تفسير للآية. ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "سلوا الله كلَّ شيء حتى الشِّسْعَ، فإن الله عز وجل إن لم ييسّره لم يتيسّر".(1) وهو تعبير بليغ عن حقيقة التوحيد وإخلاص الدين لله عقيدةً وعملا.
وليس عبثا أن يقص علينا القرآن الكريم أحوال الأنبياء والمرسلين في تحقيق هذا المعنى العظيم، وينقل إلينا عباراتهم الرقيقة، ومواجيدهم الجميلة، في مناجاة الله، والابتهال إليه رَغَباً ورَهَباً. وإنما كانت تربية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه بتعليمهم اللجوء إلى الله في اليسر والعسر تحقيقا لهذا المعنى من الإخلاص والتعرف إلى الله بصدق.
ثم إن العبد إذ يغفل عن ربه تثقل نفسه ويضيق صدره بما يقع له من غرق في أوحال النفس وأدخنة الشيطان، فيحتاج إلى لحظات للتصفية، يجأر فيها إلى الله بالدعاء مستغيثا ومستعينا، حتى إذا انخرط في سلك المواجيد السائرة إلى الله بصدق تدفق عليه شلال الرحمة شفاءً وعافيةً فتنهض روحُه يَقِظَةً قويةً.. تستعيد عافيتها، وتسترد صفاءها بإذن الله. فمن ذا يستغني عن دعاء الله إلا جاهل بالله!؟

الأسماء الحسنى بين التجلي والخفاء
اهتم العلماء كثيرا -سلفُهم وخلفُهم- بقضية الأسماء الحسنى في سياق التعبد بها دعاءً وابتهالا إلى الله جل علاه نظرا لجلال أسرارها وجمال أنوارها، ولِمَا ورد في ذلك من الأمر في كتاب الله، من مثل قوله تعالى: ﴿وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(الأعراف:180)، وقوله سبحانه: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾(الإسراء:110)، وما صح في السنة النبوية الشريفة من قوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله تسعة وتسعين اسما -أعطى مائة إلا واحدا- من أحصاها دخل الجنة، إنه وِتْرٌ يحب الوِتْرَ" (متفق عليه)، وفي رواية: "من حفظها دخل الجنة" ورُوِيَ أيضا بصيغة: "إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما -مائة غير واحد- لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" (متفق عليه). وما ذلك كله إلا لأنها مدخل عظيم للتعرف إلى الله تعالى، والعروج إليه سبحانه عبر مقامات معرفته ومنازل محبته للفوز بكرم ولايته.

المراد بحفظ الأسماء وإحصائها
غير أنه تنتصب بين أيدينا ههنا قضيتان: الأولى تتعلق بمفهوم الحفظ أو الإحصاء الوارد في الحديث، والثانية تتعلق بمسألة عد هذه الأسماء وتعيينها. فأما القضية الأولى -وهي الراجعة إلى المقصود بمعنى الحفظ والإحصاء- فقد سبق لنا كلام عنها في غير هذا الموطن نلخصه كما يلي: وذلك أنه "قد ذهب أغلب العلماء -ما سترى بحول الله- إلى أن "الحفظ" هنا هو بمعنى حفظ المقتضيات من الأفعال والتصرفات، لا حفظ العبارات فقط، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك" (رواه أحمد والترمذي). والمقصود بحفظ المقتضيات توقيع كل أعمالك وتصرفاتك بما تقتضيه دلالاتها من حدود والتزامات.
فمثلا إذا انطلق العبد في طلب رزقه واكتساب قوته فإنما يفعل ذلك باسمه تعالى "الرزاق"، ومعناه أن يعتقد ألا رزق يصل إليه إلا ما كتب الله له، ثم ألاّ مانع له منه وقد كتبه الله له، ويكون لهذا -إن صح اعتقاده فيه- أثره الإيماني، يجتهد كل يوم في تحصيله، فلا يساوم في دينه مقابل مال، عطاءً أو حرمانا، إذ وجد في معرفته باسم "الرزاق" أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. وهو قصد من مقاصد حفظ "الاسم" من أسمائه الحسنى؛ الثبات على ذلك أمام الفتن، لا تزحزحه المضايقات ولا المناوشات ولا التهديدات، ولا تذهب به الوساوس كل مذهب، بل يسكن إلى عقيدته مطمئنا آمنا من كل مكروه، إلا ما كان من قدر الله، موقنا أن الله لا يريد به إلا خيرا. فذلك أمر المؤمن الذي ليس إلا لمؤمن، والمؤمن أمره كله له خير كما في الحديث الصحيح حيث قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر وكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" (رواه مسلم).
إنها عقيدة السلام والأنس الجميل بالله. وبقدر ما تسكن النفس إلى اسمه تعالى "الرزاق" يذوق العبد من معنى "الحفظ" جمالا حميدا، وأنسا جديدا، فتعلو القدم بذلك في مراتب العبودية، وتوحيد الألوهية مقامات أخرى. والربانيون في "حفظ" كل اسم من أسمائه الحسنى -بهذا المعنى- مراتب ومنازل. وبذلك يمتلئ القلب حبا لجمال أنواره وجلال إفضاله تعالى، فيزداد شوقا إلى السير في طريق المعرفة الربانية، التي كلما ذاق منها العبد جديدا ازداد أنسا وشوقا، فلا تكون العبادة -بالنسبة إليه حينئذ- إلا أنسا، وراحة، ولذة في طريق الله، إذ تنشط الجوارح للتقرب إليه تعالى بالأوقات والصلوات والصيام والصدقات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، والدخول في سائر أعمال البر الصالحات. ولك في أسماء الله الحسنى -من كل ذلك- مسالك تقربك إلى الله سبحانه وتوصلك إليه.
هذا هو الفهم الأليق بحديث الأسماء الحسنى، وهو ما ذهب إليه أغلب شراح الحديث عند تعرضهم لذلك؛ ومن هنا قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: "وقال الأصيلي: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العمل بها. وقال أبو نعيم الأصبهاني: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل، والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها"(2). وقال أيضا: "وهو أن يعلم معنى كلٍّ في الصيغة، ويستدل عليه بأثره الساري في الوجود، فلا تمر على موجود إلا ويظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء، وتعرف خواص بعضها (...) قال: وهذا أرفع مراتب الإحصاء. قال: وتمام ذلك أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن؛ بما يقتضيه كل اسم من الأسماء".(3)
ذلك هو الشأن بالنسبة لسائر أسمائه الحسنى: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن المهيمن... إلخ. فكلها "حسنى" بصيغة التفضيل المطلقة هذه، أي لا شيء أحسن منها، فهي تبث النور والسلام والجمال، في طريق السالكين إليه تعالى بحفظها، وتملأ قلوبهم إيمانا وإحسانا".(4)

عَدُّ الأسماء وتعيينها
وأما القضية الثانية وهي الراجعة إلى إشكال عَدّ هذه الأسماء وتعيينها صيغةً وعبارةً، الواحدة تلو الأخرى إلى تمام التسعة والتسعين؛ فإنها محط خلاف بين كثير من العلماء، خاصة وأنه لم يرد في ذلك حديث صحيح يسردها جميعا ويعينها بذاتها، وقد ضعف العلماء ما أخرجه الترمذي وغيره من الحديث الوارد في سردها وإحصائها. إلا أنه لا يكون عبثا أن يكلف الله ورسوله -ندبا أو إيجابا- بأمر مُقَدَّرٍ على وجه التحديد، ويبقى مع ذلك مجملا غير قابل للتطبيق والتحقيق، هذا خُلْفٌ، بل هو ممتنعٌ وجودُه في الشريعة، وهو يتخرج على القاعدة الأصولية القاضية بأنه: "لا يجوز أن يتأخر البيان عن وقت الحاجة".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما -أعطى مائة إلا واحدا- من أحصاها دخل الجنة" فهو نص في عدد هذه الأسماء، بما يعني أنها أسماء محصورة محددة من بين عدة أسماء أخرى غير مقصودة بالعد ولا الإحصاء في خصوص هذا التكليف. والسياق ههنا قاض بأن العدد "تسعة وتسعين" لا يخرج عن ظاهره بل هو عدد حقيقي مقصود، فقد قال: "أعطى مائة إلا واحدا" لتأكيد ظاهر العدد مما يجعله نصا على معناه بلا منازع. وإذن لم يبق إلا شيء واحد، وهو أن هذه الأسماء موجودة فعلا، يمكن الاشتغال بها دعاءً وتعبداً، وليست من قبيل المجهول غير المبيَّن، وأن الندب مُتَوَجِّهٌ إليها حقيقةً لِمَا عُلم من أن الإتيان بها إحصاءً وعدّا وحفظا ممكنٌ شرعا وعقلا. فأين هي إذن؟
الجواب بسيط: إنها جميعها في كتاب الله، فمن قرأ القرآن كله أدركها قطعا. نعم، المشهور أن ما ورد منها في الكتاب -مما هو متفق عليه- إنما هو نحو الثمانين اسما، على اختلاف في العد.(5) وهذا راجع إلى قضية معنى "الاسم"، وما المقصود منه؛ هل لابد في عد الأسماء الحسنى وإحصائها من عبارة مفردة على جهة التسمية العَلَمِيَّةِ؛ أم يمكن في أسماء الله الحسنى بصفة خاصة الوصول إليها عَدّاً وإحصاءً وحفظاً من خلال مفاهيمها ومعانيها دون عباراتها المفردة؟
ذلك ما نرجحه، وهو أن بركة الاسم قد تحصل للعبد من خلال الوصول إلى مفهومه دون عبارته المفردة، لكن على أساس ألا يزعم المرء أن الاسم من الأسماء الحسنى هو هذه العبارة بالذات أو تلك، ولكن له فقط أن يقول: إنه ههنا في هذه الآيات، أي أن مفهومه متضمن فيها، على غرار ما ورد في معنى "اسم الله الأعظم" من النصوص، كما سترى بعد قليل بحول الله. إذ قد تكون حقيقة الاسم من أسماء الله الحسنى مضمنة في عدة آيات أو عدة جمل، وليس بالضرورة في لفظة واحدة مفردة، ويكون ذلك الاسم مما أعطى الله لعباده، أي ضمن التسعة والتسعين.
ولنا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دليل، فقد صح في أحاديث الاسم الأعظم أنه قد يكون عبارة عن عدة أسماء، أو عدة صفات، أو عدة كلمات، أو عدة جمل، في عبارات مختلفة، قد تتداخل معانيها وتتقاطع، وقد تختلف اختلاف تكامل؛ بما يوحي أن للاسم الأعظم عدة تجليات. فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب في ثلاث سور من القرآن: في البقرة، وآل عمران، وطه" (رواه ابن ماجه والطبراني).
وقال صلى الله عليه وسلم بشيء من التفصيل: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾(البقرة:163)، وفاتحة آل عمران: ﴿الم * اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾(آل عمران:1-2) (رواه أحمد وأبو داود). وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: "لقد سألتَ الله بالاسم الأعظم، الذي إذا سُئِلَ به أعطَى، وإذا دُعِيَ به أجاب" (رواه أبو داود والترمذي).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي وهو يصلي وهو يقول: اللهم إني أسألك بأنْ لكَ الحمدُ، لا إله إلا أنت، يا حَنَّانُ، يا منَّانُ، يا بديعَ السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألتَ الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى" (رواه أحمد وابن ماجه). فهذا كله دال على أن الاسم الأعظم ليس بالضرورة عبارة واحدة، بل قد يكون كذلك، وقد يكون في عدة عبارات من عدة أسماء أو عدة صفات، كما رأيت في النصوص الصحيحة الواردة قبل. ومن هنا نرجح أن بعض الأسماء الحسنى هي أيضا قد تكون لها تجليات شتى في كتاب الله تعالى. وهي غالبا ما تكون واردة في الآيات والسور التي يصف الله فيها نفسه، مما يتعلق بشؤون ربوبيته، وكمال ألوهيته، وعظيم قدرته تعالى، من الخلق والأمر والقيومية والهداية، وما يحق له بعد ذلك على خلقه من إفراده تعالى بالخضوع له والعبودية رَغَباً ورَهَباً؛ مما ورد في سياق الأمر بعبادته توحيدا وتفريدا. كل ذلك وما في معناه مما هو وارد في القرآن الكريم متضمن لأسمائه الحسنى وصفاته العلى. ونحن نرجح أنه ما من اسم من الأسماء المقصودة بالعد والإحصاء والحفظ على ما ورد في الحديث المتفق عليه إلا وهو منصوص عليه في القرآن الكريم، بهذا المعنى الذي ذكرنا للأسماء إن شاء الله. وقد حرص غير واحد من علماء السلف والخلف على استخراجها من القرآن على ترجيح أن سياق الأية: ﴿وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾(الأعراف:180) يفيد أنها كذلك. وإلى هذا ذهب غير واحد من أهل العلم، فقد قال القرطبي في كتابه الأسنى في شرح الأسماء الحسنى: "العجب من ابن حزم، ذكر من الأسماء الحسنى نيفا وثمانين فقط، والله يقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾(الأنعام:38)".(6)

علماء تتبعوا الأسماء من القرآن
وقال ابن حجر في فتح الباري: "وإذا تقرر رجحان أن سرد الأسماء ليس مرفوعا، فقد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد. فروينا في كتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني بسنده إلى محمد بن يحيى الذهلي أنه استخرج الأسماء من القرآن. وكذا أخرج أبو نعيم عن (...) محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: "سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء الحسنى فقال: هي في القرآن" وروينا (...) عن حبان بن نافع، عن سفيان بن عيينة الحديث، يعني حديث: "إن لله تسعة وتسعين، أعطى.."، قال: فوعدنا سفيان أن يخرجها لنا من القرآن فأبطأ، فأتينا أبا زيد فأخرجها لنا، فعرضناها على سفيان، فنظر فيها أربع مرات، وقال: نعم هي هذه".(7)
وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: "وقد عاودت تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررتها منه تسعة وتسعين اسما. ولا أعلم من سبقني إلى تحرير ذلك. فإن الذي ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن، بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه، وهو سبعة وستون اسما متوالية، كما نقلته عنه، آخرها "الملك"، وما بعد ذلك التقطه من الأحاديث. وقد رتبتها على هذا الوجه لِيُدْعَى بها:
"الإله، الرب، الواحد، الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، العلي، العظيم، التواب، الحليم، الواسع، الحكيم، الشاكر، العليم، الغني، الكريم، العفو، القدير، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، المولى، النصير، القريب، المجيب، الرقيب، الحسيب، القوي، الشهيد، الحميد، المجيد، المحيط، الحفيظ، الحق، المبين، الغفار، القهار، الخلاق، الفتاح، الودود، الغفور، الرؤوف، الشكور، الكبير، المتعال، المقيت، المستعان، الوهاب، الْحَفِيُّ، الوارث، الولي، القائم، القادر، الغالب، القاهر، البر، الحافظ، الأحد، الصمد، المليك، المقتدر، الوكيل، الهادي، الكفيل، الكافي، الأكرم، الأعلى، الرزاق، ذو القوة، المتين، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، رفيع الدرجات، سريع الحساب، فاطر السماوات والأرض، بديع السماوات والأرض، نور السماوات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام".
[ثم قال:] تنبيه: في قوله "من أحصاها" أربعة أقوال، أحدها: "من حفظها"، فسره به البخاري في صحيحه (...) ثانيها: من عرف معانيها وآمن بها. ثالثها: من أطاقها بحسن الرعاية لها وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها. رابعها: أن يقرأ القرآن حتى يختمه؛ فإنه يستوفي هذه الأسماء في أضعاف التلاوة. وذهب إلى هذا أبو عبد الله الزبيري. وقال النووي: الأول هو المعتمد. قلتُ(8): ويحتمل أن يراد من تتبعها من القرآن، ولعله مراد الزبيري"(9).
صحيح أن السنة النبوية ورد فيها من الأسماء الحسنى والصفات العلى الشيء الكثير، مما يربو -إذا أضيف إلى الأسماء المفردة المنصوصة في القرآن- على عدد التسعة والتسعين بكثير. ولذلك فقد وقع الخلاف في أيها المقصود بالإحصاء -في الحديث المذكور- مما لم يقصد، بيد أن منهج القرآن قائم على أن عظائم الأمور من أمهات الفضائل وأمهات الرذائل؛ يكون عادة مما نص عليه الله -جل علاه- في القرآن. وإنما يرد في السنة تفصيل طريقة العمل به، أو بيان فضله. وبما أن القرآن هو أعظم كتاب في التعريف بالله ربا وإلها -وتلك من أهم مقاصده العظمى- فلا يعقل أن يخلو من أمهات الأسماء الحسنى، لاسيما وأن الله عز وجل نَصَّ في غيرما موطن من كتابه على أهميتها، وعلى طلب الدعاء بها كما مر في قوله تعالى: ﴿وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(الأعراف:180).
فإذا قيل أين هي؟ قلنا إنها فيما نص الله تعالى عليه من الأسماء المفردة في القرآن، من مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاواتِ وَالاَرضِ وهُوَ الْعَزيزُ الحَكِيمُ﴾(الحشر:22-24)، ثم إنها أيضا حاضرة في كل آية وصف الله تعالى بها نفسه، إذْ كل ذلك أيضا متضمِّن لمعنى الاسم، كما في قوله تعالى من سورة آل عمران: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(آل عمران:26-27).
فهذه الآيات العظيمة متضمنة لعدد من مفاهيم الأسماء الحسنى، وهي وإن لم ترد بصيغٍ عَلَميّة أو عبارات مفردة إلا أنها عميقة الدلالة جدا على عرض جانب من عظمة الله تعالى وكمال قدرته على كل شيء بما يحيل على مفاهيم لأسماء حسنى واردة على سبيل العَلَمِيَّةِ الصريحة في مواطن أخرى من الكتاب والسنة كأسمائه تعالى: "المالك، والملِك، والحي، والقيوم، والقدير، والقادر، والخالق، والرزاق" ونحو ذلك كثير...
فمن سأل الله بمثل هذه المواطن من القرآن مُضَمِّناً في دعائه نصوصَ الآيات -كما مر في بعض أحاديث الاسم الأعظم الثابتة- أدرك الأسماء الحسنى المقصودة جميعا إن شاء الله. ومن أضاف إلى ذلك ما صح من السنة النبوية من الأسماء كان -بإذن الله- أعمَّ وأشمل وأحوط لمن قصد إحصاءها إحصاءً وإن لم يكلف نفسه عناء العد الحرفي والاستقراء اللفظي. فإذا بنى ذلك كله على ما ذكره الشراح من معنى الحفظ -بما هو التحقق والتخلق بمقتضياتها- رَجَا أن ينال وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفوز بالجنة، وإنما الموفق من وفقه الله.
_______________
الهوامش
(1) قال الألباني: "أخرجه ابن السني رقم: 349، بسند حسن". والشِّسْع: أحد سُيُور النعل، مما يعقد به.
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، 11/226، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب.
(3) فتح الباري، 11/226- 227.
(4) بلاغ الرسالة القرآنية للمؤلف: 53-55.
(5) عدها الشيخ العثيمين رحمه الله في كتابه (القواعد المثلى) "واحدا وثمانين اسما" بإضافة اسم "الحفي" أخذا من قوله تعالى حكايةً لقول إبراهيم لأبيه: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾(مريم:47). وواضح أن سياق الآية لا يسعف في الدلالة العَلَميّة على هذا اللفظ لعدم إطلاقيته. وقد تردد فيه ابن حجر من قبلُ رغم عده إياه.
(6) نقلا عن تلخيص الخبير في أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، 4/173، تحقيق عبد الله هاشم اليمني المدني. ط. 1964/1384، المدينة المنورة.
(7) فتح الباري:11/217.
(8) القول لابن حجر.
(9) تلخيص الحبير: 4/173-174 

أ.د. فريد الأنصاري


السبت، 23 مارس 2013

الشيخ فريد الانصاري - تحديات الاسرة المسلمة في المهجر


الشيخ فريد الانصاري - تحديات الاسرة المسلمة في المهجر

الجمعة، 11 مارس 2011

إليك يا طالب العلم

الحمد لله العليم الحكيم.. والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين..
أما بعد:
إن طلب العلم من أعظم العبادات التي تُرفع بها الدرجات.. وتُكفّر بها السيئات.. قال تعالى: (يَرفعُ اللهُ الذينَ آمنُوا منكُم والذينَ أُوتُوا العلمَ دَرجاتٍ...) سورة المجادلة الآية 11.. وما قذف الله في قلب مسلم حب هذا العلم إلا وهو يريد به خيرا.. لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين).. فهنيئا لمن سلك هذا الطريق الموصل إلى جنات النعيم....
 وهنا سأتطرق إلى بعض الآداب التي يتوجب على كل طالب علم التزامها والامتثال بها.. وهي كالتالي:
 1ـ الإخلاص لله وتصديق القول بالعمل.. احرص أولا على تجريد نية طلب العلم لله وحده.. ثم داوم على تطبيق هذا العلم الذي اكتسبته؛ كيلا تكون ممن قال الله عز وجل فيهم: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعلونَ) سورة الصف الآية 2.. أجل ماذا يجدي أن يمتلئ طالب العلم علما، ويملي علينا ما نهله من علوم ومعارف ثم لا يُرى أثر ذلك على نفسه البتة؟!!!.. ولكم استوقفتني وصية نفيسة من العلامة محمد العثيمين رحمه الله لطلبة العلم حيث يقول فيها: (أنا لا أريد من طلبة العلم أن يكونوا نُسخا من كتب.. وإنما أريد منهم أن يكونوا علماء عاملين!!).. وإخالك لا يخفى عليك تلك المقولة المشهورة التي طالما رددناها فمتى نطبقها؟!.. (العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!).. ولأن تطبيق العلم والعمل به يزيده رسوخا وثباتا فيندر أن يتفلت منك ـ أيها المبارك ـ..

الاثنين، 7 مارس 2011

أفضل شيء في الدنيا

عَنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ الصّالِحَةُ". رواه مسلم

حقا إن خير متاع هذه الدنيا المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها.

إن المرأة هي عماد البيت، والبيت لبنة في بناء المجتمع، فصلاحها يؤدي إلى صلاح الأبناء، لذا نجد أن معيار الصلاح هو المعيار الأساسي في اختيار الرجل للمرأة التي يريد أن يتزوجها، والعكس أيضا. قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) [سورة النور /32]. وينبغي على الرجل انتقاء الزوجة الصالحة بالشروط التالية: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ( متفق عليه ). الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة . ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. تزوجوا الودود الولود ، إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. عليكم بالأبكار ؛ فإنهن أنتق أرحاما ، وأعذب أفواها ، وأرضى باليسير. وفي رواية " وأقل خبا ( أي خداعا). وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة ، فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء، كما جاء في الحديث الصحيح وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :" فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك، إن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك"

وفي المقابل: لا بد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة ، والموافقة عليه حسب الشروط التالية : " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". ولا بد في كل ما سبق من حسن السؤال وتدقيق البحث وجمع المعلومات والتوثق من المصادر والأخبار حتى لا يفسد البيت أو ينهدم. والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا ؛ لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الجمعة، 25 فبراير 2011

أخلاق المسلم - الصبر

أخلاق المسلم

الصبر
ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري). فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [متفق عليه]. أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة.
***
أسلم عمار بن ياسر وأبوه ياسر وأمه سمية -رضي الله عنهم- وعلم الكفار بإسلامهم، فأخذوهم جميعًا، وظلوا يعذبونهم عذابًا شديدًا، فلما مرَّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لهم: (صبرًا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة)
[الحاكم]. وصبر آل ياسر، وتحملوا ما أصابهم من العذاب، حتى مات الأب والأم من شدة العذاب، واستشهد الابن بعد ذلك في إحدى المعارك؛ ليكونوا جميعًا من السابقين إلى الجنة، الضاربين أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى.

الجمعة، 28 يناير 2011

فيضٌ من الرحمات

" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً " [النساء: 147]
انسابت كلمات هذه الآية إلى مسمعي بهدوءٍ لا يُضاهى .. وكأنني أسمعها لأول مرة .. فأدمعت عيني وأيقظت في قلبي نبضاً اشتقتُ له ..
وجلستُ أتأمل معناها.. يا الله! .. ما أرحمك بنا!

(( جعل الله الرحمة مائة جزء، أنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ))
حديث صحيح

(( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))
حديث صحيح

الثلاثاء، 4 يناير 2011

اليتيم والمسكين وعناية الإسلام بهما

فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا وإمامنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين ،، أما بعد ..

لا ريب أن اليتيم والمسكين من أحق الناس بالرعاية والعناية، وقد أكثر الرب عز وجل في كتابه العظيم من الحث على الإحسان إليهما ورحمتهما ومواساتهما فجدير بالمؤمن والمؤمنة الإحسان إلى من لديه شيء منهما من أيتام المسلمين وفقرائهم فإن الصدقة في هؤلاء في محلها من الزكاة وغيرها.

وقد جاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)) وشبك بين أصبعيه[1]. فهذا يدل على عظم أجر كفالة اليتيم والإحسان إليه. كذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو قال كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر))[2] فهذا فضل عظيم. والله جل وعلا يقول: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}[3]، ويقول عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}[4]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[5]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

الخميس، 30 ديسمبر 2010

الجمعة أحكام آداب فضائل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خطيب الأنبياء والمرسلين: أما بعد:
أخي المسلم: اختص الله عز وجل هذه الأمة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، منها اختصاصه إياها بيوم الجمعة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق } [مسلم].
يوم عبادة:
قال الحافظ ابن كثير: ( إنما سُميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجَمْع، فإن أهل الاسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعاهد الكبار... وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [الجمعة:9] أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها، وليس المراد بالسعي هنا المشي السريع.. فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نُهي عنه.. ) قال الحسن: ( أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنية والخشوع ) [تفسير ابن كثير:4/385، 386] وقال ابن القيم: ( فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان ) [زاد المعاد:1/398].
من فضائل يوم الجمعة:
1- أنه خير الأيام.فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة } [مسلم].

إليك يا فلذة كبدي

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
إليك يا بني.. أسطر هذه الكلمات.. نابضة بالحنان والنصح.. والصدق والإخلاص.. لعلك تجد بها الطريق السوي الذي يدلك على الخير ويرشدك إلى الهدى.
وما دفعني إلى نصحك هو خوفي عليك..وإحساسي العميق بالمسؤولية نحوك..لقول النبي : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته }.
وكما أنه ليس للإنسان يد في اختيار أبنائه.. وليس له إلا دلهما على الخير..وهدايتهما إلى الرشاد..وهذا..هذا ما يدفعني إلى حثك في هذه الرسالة على أسباب النجاة والخير..وتذكيرك بما أوجبه الله عليك..ما كلفك به من أمانة العبودية..والطاعة والتوحيد..فإليك يا بني نص الرسالة..
لا يـا بنـي!!
لا يـا بنـي..لا تنس الله! فإنك لم تخلق سدى..ولم توجد في هذه الحياة عبثاً بل زنت خليفة في الأرض قد كلفت فيها بالأمانة..تلك الأمانة التي عرضت على من هم أكبر منك خلقاً فخافو وأشفقوا!!
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].
فهل عرفت ما هي تلك الأمانة؟!
إنها عبادة الله!
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فهل عبدت الله كما أمرك؟!
إن العبادة يا بني هي: كل الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي ارتضاها لعباده! فأين حظك منها؟!
واعلم يا بني أن من تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأها مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأها مدة قصيرة.

رسالة إلى عيني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد
إن الإنسان ليغتر بقوته، والله هو المنعم عليه بهذا القدر من القوة، وقد جعل الله لهذا المخلوق من الحواس ما يهديه في عالم المحسوسات، ومن أعظم هذه الحواس نعمة العين. بما فيها من قدرة الدقة في التركيب، وحسن الهيئة، وبهاء المنظر والقدرة على الإبصار، هذه العين بما ترى في صفحات هذا الكون من دلائل القدرة، وموجبات الإيمان، وهو معروضة في صفحات الكون، مبثوثة في حناياه (في ظلال القرآن بتصرف).
وظيفة العين:
إن لكل عضو في جسد الإنسان وظيفة منوطة بها، فالله -سبحانه- قد خلق العين لوظيفة سامية، فقد خلقت العين؛ لتبصر الطريق وآفاته، والكون وآياته، وترى الأهل والأحباب، والولد والأصحاب، خلقت لرؤية إشراقة الشمس وغروبها وجمال البدور وبهائها ونزول الغيث بعد إمساكها، وإخضار الأرض بعد ذبولها، خلقت لكي ترى الليل يعقبه النهار، والنهار يعقبه الليل، خلقت لتتأمل في جريان الوديان والأنهار، كل ذلك لكي تصل إلى حقيقة واحدة... وهو الاهتداء إلى معرفة الواحد القهار ( منبريات، لأحمد السديس، بتصرف).
حياء العين:
قال النبي : { استحيوا من الله حق الحياء }، قلنا: "يا رسول الله إنا لنستحي والحمد لله"، قال: { ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا }، يعني: من الله حق الحياء [رواه الترمذي، وحسنه الألباني].
فالحياء الشرعي للعين أن يتحفظ نفسها من النظر إلى ما حرم الله فإن العين إذا أشتد حياؤها؛ صانت صاحبها، ودفنت مساوئه، ونشرت محاسنه.
قال ابن حبان: ( ومن ذهب حياؤه؛ ذهب سروره، ومن ذهب سروره؛ هان على الناس ).

السبت، 25 ديسمبر 2010

وعظ القلوب بكلام علام القلوب


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا بد أن تكون الموعظة مصاحبة للقلب الذي يتقلب بين حين وآخر، ولا بد للمؤمن أن يوطن نفسه على حضور مجالس الوعظ ففي ذلك ثبات له بإذن الله وإغاظة للشيطان الذي هو قريب من الواحد بعيد عن الجماعة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء كما أخبر النبي بل قال: { اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }. فإذا كان رسول الله لا يأمن على نفسه فكيف بنا نحن خاصة مع تلاطم أمواج الفتن في هذا الزمان، وإن القرآن الكريم من أكبر المواعظ الذي توعظ بها القلوب كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57]، ولقد كان رسول الله يجلس مع أصحابه ليعظهم ويذكّرهم ويرغّبهم ويرهّبهم بهذا القرآن العظيم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقّت قلوبنا وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك وآنسنا أهلنا وأولادنا أنكرنا أنفسنا ولهونا؟ فقال رسول الله : { لو أنكم إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم }.
والقرآن يرقق القلوب بل يرقق الحجر، قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ [البقرة:74]. وقال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].

عُمّار المساجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
في الحديث:
عن أبي هريرة عن النبي قال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - فذكر منهم - رجل قلبه معلق بالمساجد }.
لما آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه. فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها.
وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له.
فلا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عليه محبة مولاه، جل في علاه.
أما من غلبته نفسه الأمّارة بالسوء فقلبه معلق بالجلوس في الطرقات، والمشي في الأسواق، محب لمواضع اللهو واللعب، وأماكن التجارة واكتساب الأموال. 
 فضل المساجد:
إن المساجد بيوت الله جل وعلا، وهي خير بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله تعالى، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب المحبين لله عز وجل، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لاظهار ذكره فيها، فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟! قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إلى بيون معبودهم مترددة، تلك: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

القرآن سبيل العزة والسعادة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فإن العزة خُلُق عظيم، وخِلَّة كريمة، تهفو إليها القلوب الحية، وتسعى لنيلها النفوس الأبيّة، وإن السعادة لمطلب مُلح، وهدف منشود، وغاية مبتغاة، وكل الناس يبحث عن هذه المعاني ويسعون لها سعيها، فيسلكون إليها كل سبيل، ويركبون لها كل صعب وذلول، ولكن قلَّ من يهتدي إليها، ويوفّق لها.


كلُّ مَنْ في الوجود يطلب صيدًا *** غير أن الـشباكَ مختلفـاتُ
وإن من فضائل القرآن ـ وهي كثيرة لا تحصى ـ حصولَ السعادةِ العظمى، والعزة القعساء لمن يقبل عليه، ويتلوه حق تلاوته. وهذه السعادة، وتلك العزة تحصل للفرد وللأمة، قال تعالى: طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2،1]، وقال: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

الشتاء، سنن و آداب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في هذه الأيام يتردد على أسماعنا الحديث عن الشتاء، بل ونحسه ونستشعره استشعاراً، فنشتاق إلى لياليه، وننتظر أيامه. وقد نكون الآن ممن يعيشه. ولذا لنا مع هذا الفصل وقفات لعلَّ الله عز وجل يفتح لها القلوب:
الوقفة الأولى: تأمل وتفكر
إن أحسن ما أتفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمّة به دون شيء من مخلوقاته. وكم لله من آياته في كل ما يقع الحس عليه، ويبصره العباد، وما لا يبصرونه، تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها. لكن تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد، وقيام الحيوان والنبات عليهما. وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته. ولو دخل عليه مفاجأة لأضرَّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، كما خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط البرودة، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك، فهل من متأمل ومتفكر؟!
الوقفة الثانية: آيات الله في الشتاء
1 - الصواعق: قال تعالى: وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ [الرعد:13]. وقد جاء في سبب نزولها أن رجلاً من عظماء الجاهلية جادل في الله تعالى فقال لرسول الله : ( أيش ربك الذي تدعوني إليه؟ من حديد هو؟ من نحاس هو؟ من فضة هو؟ من ذهب هو؟ فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه وأحرقته ).

آداب حضور المساجد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وبعد:
قال تعالى: يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي عند كل صلاة، وقال : { من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غفر الله له ذنوبه } [رواه مسلم].
ومن آداب حضور المساجد:
1- النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
يجب على من أكل بصلاً أو ثوماً نيئاً أن يجتنب المساجد حتى لا يؤذي المصلين برائحته الخبيثة، ومن آذى المصلين فقد آذى الملائكة.. فعن جابر أن النبي قال: { من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا } أو قال: { فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته } [رواه البخاري]. وعنه قال: ( نهى رسول الله عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها ). فقال: { من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس } [رواه البخاري، ومسلم]، ومع صراحة الأحاديث في نهي آكل الثوم والبصل عن حضور المساجد ورفع الإثم عنه لأجل تركه شهود الجماعة؛ إلا أن هناك طائفة من الناس أبت إلا المخالفة.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ [النور:63].

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More