أثر الجليس
خلق الله جل وعلا هذا الإنسان لعبادته، وخلقه سبحانه وتعالى متميزا بصفات لعل من صفات هذا الإنسان أنه مدني بطبعه، مفتقر لأبناء جنسه، لا يستغني عن مخالطة أبناء الزمان، فالرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان، ولذالك فإن من أعظم العقوبات أن يسجن الإنسان سجناً انفراديا، وخاصة على غير المؤمنين، ولذالك أيضا فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يعاقب كعب بن مالك وصاحبيه، أمر بهجرهم فضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، إذن الإنسان لا يستغني عن أبناء الزمان، ولا يستغني عن المرافقة والمخالطة. ولذا كان لابد له من جليس ولا بد له من أنيس، يفضي إليه بهمومه ويطلعه على شئونه، فمن يكون جليسك أيها المسلم، مهما بلغ الإنسان من العزلة لابد له من خليط ولابد له من جليس، فمن يجالس هذا الإنسان؟ من المعلوم المحسوس الذي نراه بأعيننا أن المجالسة لها أثر على الإنسان في دينه وفي خلقه وفي سلوكه، قال الله تبارك وتعالى: (( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً )) (الفرقان: 27،29).لماذا تمنى هذا الشخص أنه لم يعرف خليله وقرينه، لأنه كان سبباً في ضلالته وبعده عن الحق والهدى، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) حديث صحيح رواه أبو داوود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه . وقد فطن لذالك العلماء والعقلاء، فحذروا من أثر صاحب السوء وبينوا سرعة تأثر الإنسان برفيقه وقرينه.قال ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-: في بيان معنى الحديث السابق، المرء على دين خليله قال رحمه الله: وهذا معناه والله أعلم أن المرء يعدد ما يراه من أفعال صحبه، والدين العادة، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل، فإن الخير عادة، وفي معنى هذا الحديث قول عدي بن زيد: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي