عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه
وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا: أين نحن من
النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا
أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد،
وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) " متفق عليه واللفظ للبخاري .
وفي رواية مسلم : "فحمد الله وأثنى عليه، فقال: ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ".
معاني المفردات
تقالّوها: اعتبروها قليلة .
أبداً: دائماً من غير انقطاع .
الدهر: أي أواصل الصيام من دون توقّف .
أرقد: أنام .
رغب عن سنتي: أي أعرض عنها .
تفاصيل الموقف
بزغ
من الأفق البعيد ركبٌ أقبلوا على المدينة والسعادة تملأ قلوبهم، والشوق
يُذكي عزائمهم، غير مبالين بفيح الصحراء أو حرّ الرمضاء، ولا شاعرين ببعد
المسافة أو طول الرحلة، وحُقّ لهم ذلك فقد أوشكوا على الوصول إلى مقصدهم
وتحقيق هدفهم.
إنهم
ثلاثة، جمعهم الإيمان وألّف بين قلوبهم، ووصلتهم أنوار الرسالة، وتوالت
عليهم الأخبار الصادقة عن ذلك النبي العظيم، كم حدّثوهم عن تواضعه وحلمه
ووفائه، وكم أخبروهم عن إخلاصه ورحمته ووفائه، وكم أفاضوا في ذكر فضائله
وأفضاله، وخصائصه وأخلاقه، وشمائله وصفاته.
كم
أرهفوا السمع وأعملوا الفكر وأطلقوا عنان الخيال، ولكن من بعيد!، وآن
الأوان كي يقتربوا من منبع ذلك النهر المتدفق، ليرتووا من أصله، ويرتشفوا
من هديه، بل حان الوقت ليروا رأي العين سموّ الأنبياء وعظمة الأتقياء،
فيرصدوا حركاتها وسكناتها، وخطاها وأفعالها، وسيرتها وسريرتها.