Video

ضع بريدك الالكتروني

مدعوم منFeedBurner

قران يتلى اناء الليل واطراف النهار

طريق التوبة في الهاتف النقال

الأحد، 2 يناير 2011

المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.. أثر الجليس

أثر الجليس

خلق الله جل وعلا هذا الإنسان لعبادته، وخلقه سبحانه وتعالى متميزا بصفات لعل من صفات هذا الإنسان أنه مدني بطبعه، مفتقر لأبناء جنسه، لا يستغني عن مخالطة أبناء الزمان، فالرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان، ولذالك فإن من أعظم العقوبات أن يسجن الإنسان سجناً انفراديا، وخاصة على غير المؤمنين، ولذالك أيضا فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يعاقب كعب بن مالك وصاحبيه، أمر بهجرهم فضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، إذن الإنسان لا يستغني عن أبناء الزمان، ولا يستغني عن المرافقة والمخالطة. ولذا كان لابد له من جليس ولا بد له من أنيس، يفضي إليه بهمومه ويطلعه على شئونه، فمن يكون جليسك أيها المسلم، مهما بلغ الإنسان من العزلة لابد له من خليط ولابد له من جليس، فمن يجالس هذا الإنسان؟ من المعلوم المحسوس الذي نراه بأعيننا أن المجالسة لها أثر على الإنسان في دينه وفي خلقه وفي سلوكه، قال الله تبارك وتعالى: (( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً )) (الفرقان: 27،29).لماذا تمنى هذا الشخص أنه لم يعرف خليله وقرينه، لأنه كان سبباً في ضلالته وبعده عن الحق والهدى، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) حديث صحيح رواه أبو داوود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه . وقد فطن لذالك العلماء والعقلاء، فحذروا من أثر صاحب السوء وبينوا سرعة تأثر الإنسان برفيقه وقرينه.قال ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-: في بيان معنى الحديث السابق، المرء على دين خليله قال رحمه الله: وهذا معناه والله أعلم أن المرء يعدد ما يراه من أفعال صحبه، والدين العادة، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل، فإن الخير عادة، وفي معنى هذا الحديث قول عدي بن زيد: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقول أبي العتاهية:من ذا الذي يخفى عليك إذا نظرت إلى خدينه. وهذا كثير جداً، والمعنى في ذالك ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج، انتهى كلام بن عبد البر رحمه الله .إن مجرد التشبه بالغير سواء كان في الهدي، أو في السلوك، أو حتى في الثياب، إنه يؤثر أخلاقاً، ويؤثر عادات في ذالك المتشبه.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: في أول كتابه الفذ، اقتضاء الصراط المستقيم يقول: إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسب وتشاكل بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضياً لذالك، إلا أن يمنعه منه مانع انتهى كلامه رحمه الله .وإذا كان مجرد التشبه به يؤدي إلى تأثر في الأخلاق وفي السلوك، فما بالك بالمقارنة ؟ وما بالك بالمخالطة والمجالسة، ولذالك جاءت الآيات الكريمات مبينة أثر الصحبة، وآمره بمجالسة أهل الخير والبعد عن أهل الشر، ومن ذالك قول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)) (الفرقان:27 ) .ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) (الكهف:28 ) .إذن يريدون وجهه إذن، هؤلاء الذين يريدون وجه الله، ويدعونه سبحانه صبحا وعشيا، يأمر الله رسوله أن يحبس نفسه معهم، فيجالسهم ويخالطهم ويرافقهم، ثم يأمره بعد ذالك أن يبتعد عن أهل الهوى والغفلة، (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)) (الكهف:28 ) .وقال ربنا تبارك وتعالى عن أهل الجنة: (( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ )) (الصافات:56،51) .هذا القرين الذي أنجاه الله عز وجل وأكرمه بالجنة يحمد الله سبحانه على أن أنقذه من طاعة ذالك القرين، الذي كان يريد أن يضله في دينه، ويفسد عليه عقيدته، وانظر إلى فرعون ما ذا جر على هامان، بل انظر ماذا جر ملأ فرعون وجلساءه عليه، يقول ربنا تبارك وتعالى: (( وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ )) (الأعراف:127) .هؤلاء هم جلساءه، هؤلاء هم بطانة السوء، فأدى به ذلك إلى الاستكبار،(( قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)) (الأعراف:127).

وكذالك جاءت الأحاديث الشريفة عن الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، منبهة المسلم إلى ضرورة الحذر من جليس السوء، وإلى المسارعة إلى مجالس أهل الخير والبر، ومن ذالك قوله- صلى الله عليه وسلم-: (( إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريح طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريح منتنة)) متفق عليه من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

فأنظر إلى هذا المثل البديع العجيب، يمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بالرجل الذي يبيع العطور، فهذا الرجل إذا دخلت عليه دكانه فأنت بين إحدى ثلاث لا يمكن أن تفوتك منها واحدة، إما أن تشتري منه، وإما أن يعطيك، وإما أن تجد على الأقل ريح طيبة مادمت عنده، إذن أنت لا تخرج خاسراً من هذا العطار، كذالك أيضا أنت لا تخرج خاسر من الجليس الصالح، أما جليس السوء فإنه كنافخ الكير، والكير جلد تنفخ به النار فيتطاير منها الشرر، ويظهر الدخان، ويتفرق الرماد، وهذا الجليس هو بين أمرين كنافخ الكير إما أن تطير شرارة فتحرق ثيابك وهذه هي السيئات، وإما على الأقل أن تجد منه ريحا خبيثة منتنة وهذه هي إذا رأيت السيئات، وسمعت الكلام البذيء الفاحش، وقال عليه الصلاة والسلام: (( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)) رواه أبو داوود والترمذي عن أبي سعيد الخدري.

قال النووي: بإسناد لا باس به، وحسن إسناده بعض أهل العلم، وصححه ابن حبان .فالنبي- صلى الله عليه وسلم- يحصر الصحبة في المؤمن فقط، وهو الجليس الصالح، عد النبي- صلى الله عليه وسلم- الاقتران بالمرأة ذات الدين ظفرا وفوزا، فقال- صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وذلك لأن المرأة من أكثر الناس مخالطة لزوجها، فلها تأثير عليه ولا بد، فإن كانت ذات دين كان تأثيرها حسناً صالحا، وإن كانت غير ذلك فإما أفسدت عليه دينه وإما أفسدت نفسها، وإما أفسدت أولادها، أو على الأقل أفسدت المال والجيران.لقد قالت العرب: إن الطيور على أشكالها تقع، وكل إنسان يألف أشكاله، قال- صلى الله عليه وسلم-: (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اتلف وما تناكر منها اختلف)) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وذكر ابن حبان عن مجاهد- رحمه الله- قال رأي ابن عباس رجل فقال إن هذا ليحبني، قالوا وما أعلمك ؟ قال: إني لأحبه، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اتلف وما تناكر منها اختلف.ثم ذكر عن مالك- رحمه الله تعالى- قوله: الناس أشكال كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، وكل إنسان مع شكله.ثم قال ابن حبان- رحمه الله- تعالى: إن من أعظم الدلائل على معرفة ما فيه المرء من تقلبه وسكونه الاعتبار بمن يحادثه ويوده، لأن المرء على دين خليله، وطير السماء على أشكالها تقع، وما رأيت شيئا أدل على شيء ولا الدخان على النار مثل الصاحب على الصاحب.

وقال أبو الأسود الدؤلي: لكل امرئ شكل من الناس مثله، وكل امرئ يهوى إلى من يشاكله .

وقال آخر:

النـاس أشكال فكل امرئ يعرفه النـاس بمنتداه

لا تسألن المرء عن حاله ما أشبه المرء بأصحابه

فأهل الخير يألفون أهل الخير، الفقيه يحب مجالسة الفقهاء، والشاعر يحب مجالسة الشعراء، والأديب يحب مجالسة الأدباء.

وما أحسن ما قال أبو تمام:

إن نفترق نسبا يؤلف بيننا أدبا أقـمناه مقام الوالـد

أو نختلف فالوصل منا ماءه عذب تحدر من غمام واحد

فضيلة الشيخ الدكتور: بشر بن فهد البشر.

0 commentaires:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More